المسمى «بكلوراتو مرفينا» الذي يستخرج من روح الأفيون ، ويستعملونه محلولا في الماء المقطر وزن نصف قمحة من العلاج المذكور ، أي عشرة من مائة من غرام واحد في ستة غرامات من الماء المذكور ، ثم يملؤون منه حقنة صغيرة تحمل غراما واحدا إلا ربعا من الماء المدبر المذكور ، ويحكمون إدخال أنبوبها في رأس إبرة خاوية الوسط وسنها في غاية الحدة ، ثم يمسكون الجلد من المريض بأصابع اليد ويجذبونه إلى أن يبعد شيئا ما عن اللحم ثم يدخلون الإبرة هناك ويجذبونها إلى خارج إلى أن لا يبقى إلا آخرها داخل الجلد ، ويبقى محلها هناك متمددا وحينئذ يحقن الماء المذكور تحت الجلد ثم يزيلون الإبرة وقد تم حينئذ عمل العلاج ، فبعد دقيقة أو دقيقتين أو أقل يسكن الألم بفضل الله.
وتمادى الحال على ذلك مع كثرة تردد المرض كل يوم مرة أو بعد يومين مرة وبعد كل نوبة يتركني في غاية التعب ويورث ارتخاء وضعفا سيما وقد كنا لا نعلم كيفية استعمال ذلك المسكن فيلزم الصبر على شدائد الألم الفادح إلى أن يأتي الطبيب فما يأتي إلا وقد وجدني أخذ مني الألم مأخذا عظيما ، فلذلك نحل جسمي وصار يعتريني في بعض الأحيان دوار وتارة يعتري تخضرم في النبض مع شد ضعفه ، وامتد ذلك نحو ثمانية أشهر وحينئذ ألح عليّ الحكيم الماهر النصوح «منيايني» بالسفر إلى أوروبا ، وقد كان أشار عليّ بذلك من أوّل الأمر غير أن غيره من الأطباء خالفوه فإنهم قالوا لا يلزم السفر ويمكن العلاج في البلاد ، لكني لما رأيت من طول الأمر وزيادة الضعف ما رجح لي كلام «منيايني» أعدت استشارة الأطباء فوافقوه وكان قصده من السفر :
أولا : ذات السفر فإنها من أسباب الصحة طبا ، وقد علمنا من الفصل الثاني من المقدمة أن السفر من أسباب الصحة شرعا أيضا.
وثانيا : الإرتياح لي من الأشغال الفكرية التي لم يمكن لي التجنب عنها في البلد.
وثالثا : لملاقاة مشاهير الأطباء الذين لا يوجدون عندنا كما سيعرف في محله ، وهذا الأخير هو الذي أوجب تعيين الوجهة إلى خصوص أوروبا.
فسافرت حينئذ وكان ذلك في دجنير واجتمعت بمشاهير من أطباء إيطاليا وفرنسا واستقرّ رأي أغلبهم وأعلمهم على أن المرض عصبي مع ضعف شديد في الدم ومركزه ما بين أعصاب المعدة والقلب ، وعالجوني بالمياه الباردة جدا المنبعثة بقوة وذلك بأن يضرب بها كفي القدمين ، ثم المعقلين ، ثم فقرات الظهر ، ثم فم المعدة ، ثم الوجه والرأس ، ويتم جميع ذلك في دقيقتين أو ثلاث ثم ينشف البدن بخرق من الكتان مع عنف وضرب خفيف واستعجال ، ثم تلبس الثياب ويداوم المشي العجول نحو نصف ساعة أو أزيد إلى أن يسخن البدن ويحصل شيء من العرق. أو حك حوالي فقرات الظهر بخرقة من الشعر الصلب ثم إمرار إسفنجة مبتلة بالماء البارد على ذلك المحل عند النوم مع تكبيس الأعضاء والظهر بالأيدي.
وظهر لهذا العلاج بعض النفع غير أن شدّة البرد هناك الخارقة لمعتادنا في إقليمنا