المعتدل أوجبت على الأطباء الإشارة بالعود إلى الإقليم مع التوصية بالتحذير من الأسباب المحيرة للمرض ، ككثرة الشغل والمآكل العسيرة الهضم ، ثم تعاهد المعالجة بالماء البارد وشرب أدوية عديدة منها شيء قليل من روح الزئبق وأشباهه من أجزاء يسيرة من عقاقير قتالة مع التحذير من مقاديرها وخف المرض عند الرجوع إلى الوطن حتى أني لم أضطر إلى استعمال المسكن بالحقنة نحو ثمانية أشهر ، لكن المرض لم ينقطع وإنما كان يأتي خفيفا ومع العود إلى الأسباب التي لم أجد عنها مندوحة عاد الألم لما كان واضطررت للسفر ثانيا لخصوص باريس التي وجدت بها أمهر من رأيته من الأطباء وهو الحكيم «شاركو» وقد ورد الخبر باكتشافه لعلاج جديد من المعادن ، ولما عدت إليه عالجني بالكهرباء التي يسرد الكلام عليها إن شاء الله.
وصورة العلاج بآلات على نوعين ، أحدهما : مسكنة للهيجان العصبي وهي آلة مركبة من ثمانين إسطوانة منقسمة إلى قسمين كل قسم يشمل أربعين أسطوانة ويوضع كل قسم فوق القسم الآخر وكل أسطوانة مركبة من طبقات ، إحداها : نحاس والأخرى : روح التوتية المسماة بالزنك ، والثالثة : طبقة من الجوخ ، وفي مركز كل أسطوانة عمود من سلك حديدي يخرقها ويتصل الجميع بطبقة من «الكاوتشو» ويغمس الجميع في ماء مخلوط بالنشادر ، وهذا الغمس لا يلزم في كل مرة بل إذا حصل ضعف في عمل الكهرباء ثم يجفف من التقاطر ويوضع في صندوق من خشب بداخله صفحتان من الفولاذ موصلتان للكهرباء بسطح الطبقة العليا ، وفي هذا السطح بيت إبرة ومسامير من نحاس مسطحة الرأس منقوش عليها أعداد من عشرة إلى أربعين يمينا وهكذا شمالا ، وعمودان قصيران مثقوبان ويدان تداران على مركزهما ويوضع طرفهما على العدد المطلوب من المسامير اليد اليمنى على المسامير اليمين واليسرى على المسامير الشمالية وعلى بيت الإبرة ضلع من خشب ، وعند إرادة العمل بذلك الصندوق المهيأ يلزم وضعه بحيث يكون الضلع الخشبي الممتد على بيت الإبرة متوجها جنوبا وشمالا ، ثم تدار اليدان لتحريك القوة الكهربائية وتوضع إحداهما : على أحد الأعداد المناسبة لقوة الهيجان وقوة المريض أيضا ، وهكذا الأخرى بحيث لا يبلغ بهما معا إلى نهاية العدد من الجهتين التي هي درجة الثمانين في القوة الكهربائية لأن ذلك يخشى منه من الصاعقة على الإنسان ، ثم يؤخذ سلكان من الفولاذ محكم لفهما بخيوط الحرير حتى لا يبدو منهما أقل جزء ويوضع كل منهما في أحد العمودين المثقوبين ، ويحكم إمساكهما هناك بلولب وفي رأس طرفيهما الآخرين شبه ختم من معدن ملفوف في جلد رقيق يبل بالماء لسهولة توصيل الكهرباء وكل من الختمين له يد من خشب يمسكها العامل ويسمى أحد السلكين : بالموجب والآخر : بالسالب تبعا لنوع تسمية الكهرباء ، والموجب هو الذي تكون اليد الدوارة من جهته في درجة أعلى من الجهة الأخرى ، فإذا ألصق الختمان ببعضهما أو اتصلا بجسم يوصل بينهما رأيت الإبرة في بيتها تضطرب يمينا وشمالا ويشتد اضطرابها ويضعف على حسب الدرجة المجعولة فيها قوة