من وزارة تونس ، ولم يصف ماؤها إلّا بعد ذلك التاريخ كما يدل عليه المكتوب الآتي :
«الفاضل الزكي الثقة المعتمد الشيخ سيدي محمّد بيرم حرس الله تعالى كماله ، وبعد : قد وصلنا مكتوبكم في ٢٢ من الشهر وعلمنا ما احتوى عليه من لذيذ الخطاب ونحن لله الحمد على ما يسر الاحباب من العافية التامة في أمورنا الحسيّة والمعنويّة ، وأما ما أشرتم إليه من الأحوال السالفة عن قدومنا لدار الخلافة فجوابه عفى الله عما سلف والسلام ، من خير الدين في ٢٩ شعبان سنة ١٢٩٦ ه».
ومن راجع تاريخ مكتوب صاحب الترجمة المذكور أعلاه وجواب المرحوم خير الدين باشا عنه وقارن بينهما وبين تاريخ انفصال الباشا المشار إليه عن الصدارة العظمى الواقع في ٩ شعبان سنة ١٢٩٦ ه يعلم علم اليقين أنه في مدة صدارة الباشا المشار إليه لم تكن بينه وبين الشيخ بيرم أدنى علاقة وإن كل ما بناه إذ ذاك المرجفون بناء على علاقاتهما الوداديّة القديمة هو محض اختلاق ، وكأن الوزير التونسي غفل أو تغافل عن حقيقة المأموريّة الّتي أناطها بعهدة صاحب الترجمة فأرسل إليه تلغرافا رسميّا إلى باريس نص ترجمته :
«من باردو في ٧ أغسطس سنة ١٨٧٩ الموافق ١٨ شعبان سنة ١٢٩٦ ه من الوزير الأكبر إلى الشيخ سيدي محمّد بيرم : شاعت الأخبار بأنك متداخل في أمور سياسيّة خصوصا وأنه لم يصدر لكم أدنى أمر فيها ، ولذلك فإن سيدنا المعظّم يأمركم صريحا بأن لا تتداخلوا مطلقا في هذه المسائل حيث أنكم سافرتم لمعالجة صحتكم وإذا انتهت مدّة التداوي فارجعوا إلى تونس».
ثم بعد ذلك ورد له مكتوب من الوزير بتاريخ ٢٥ شعبان جوابا عن مكتوبه المؤرخ في ١٢ شعبان وفيه يقول : «أما بعد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فقد بلغنا مكتوبكم الخصوصي وعلمنا ما ذكرتم وما وقع مع موسيو «غامبيتا» فمثلك من يعتمد عليه وعلى صداقته وأما كتمان السر فيكون مهنا لأن نفعه لنا وإنما الله يحقق الأمل من اتمام الوعد لأن القنصل في غاية القوّة الخ».
فلم يسع صاحب الترجمة بعد هذا الاضطراب في أقوال الوزير إلّا أن يستعفي من وظائفه فأجابه الوزير عن الاستعفاء بهذا المكتوب ونصه : «الفاضل الزكي المدرس الشيخ السيد محمّد بيرم رئيس جمعيّة الأوقاف حرسه الله أما بعد السلام عليكم ورحمة الله ، فإن ما عرضتموه علينا من طلب الاعفاء من رئاسة جمعيّة الأوقاف علمناه ومن معلوماتكم أنكم كنتم طلبتم هذا منا قبل سفركم على خير فلم نسعفكم لذلك والذي نعرفكم به أنني لم نزل على رأيي في عدم اسعافكم لما ذكر ونرجو الله أن يجمعنا بكم وأنتم على حال كمال ودمتم بحفظ الله والسلام ، من الفقير إلى ربه أمير الأمراء مصطفى الوزير الأكبر عفا عنه في ٣ رمضان سنة ١٢٩٦ ه».