حالهم بأن يقتل نحو ثلاثة أشخاص وينفي نحو سبعة ويلتجي إلى حمايته ولا عليه في شيء فلو لا مكارم سيادة سيدنا الباي لأوقع البلاد بل فرنسا ذاتها في ارتباكات مضادة للإنسانيّة والعدالة المجبولة عليها الدولة الجمهوريّة الفرنساويّة.
فيا أيتها الحضرة الفخيمة هل ترضى الأمة والدولة التي ترسل أبناءها إلى أقصى المشرق والمغرب لحفظ الإنسانيّة أن يكون نائبها مضادا لذلك في بلاد هي جارة لها عندما كانت الدولة العظيمة تخرج أهل الجزائر من الحكم العسكري إلى الحكم البلدي متسترا في دعواه بعدم التعرف بالمجلس بأنه سمع أن المقصد منه هو التعرض لمصالح فرنسا مع أنه على علم بأن مصلحة الأمة الفرنساويّة يعتبرها ويراعيها كل من الآمر والمأمور في بلادنا لعلمنا بمقامها بيد أنه إذا كانت المصلحة ليست لفرنسا وإنما هي مجرد فوائد شخصيّة فإن مصلحة البلاد تقدم عليها وهو الذي نؤمل المعاضدة عليه من الرجال المشهورين في العالم من الدولة الفرنساويّة وتبقى بمآثرهم مزينة صحف التاريخ فهذا أنا أنهي إلى مسامعكم الشريفة اختصار ما هو حاصل ولحضرتكم أن تطلبوا الايضاح ممن يعلم حالة بلادنا من الذين لهم خبرة بها من الصادقين.
وقد بادر صاحب الترجمة بارسال تفصيل المقابلة وما حصل فيها من الكلام إلى الوزير بمكتوب مؤرخ في ١٢ شعبان سنة ١٢٩٦ ه من جملة ما قاله له فيه عن لسان «غامبيتا» : «إن كنتم تريدون الارتياح من الرجل (أي رستان) فيجب أن تكتموا هذا الأمر بل ولا اجتماعكم بي في شأنه وإلّا كان ذلك ينقض قصدكم». وما كاد يصل هذا المكتوب إلى تونس حتى انتشر الخبر بسر المسألة ولم يعلم إن كانت الاشاعة حصلت من نفس الوزير أو من المترجم الذي كان الواسطة في الكلام بين غامبيتا وصاحب الترجمة الذي لم يكن يتكلم اللسان الفرنساوي ، والحاصل أن القنصل انتهز هذه الفرصة الجديدة وأرعد وأبرق على الأمير والوزير وزاد في ايغار صدورهما على صاحب الترجمة وساعده البخت أو الصدفة بأنه في الوقت الذي كان الأهالي في تونس يطلبون تأسيس الشورى في بلادهم كانت الدول مشغولة في مصر بخلع إسماعيل باشا وحصل ذلك على يد خير الدين باشا صاحب الصدارة حينئذ ، وارتباطات الباشا المذكور بتونس وخصوصا بصاحب الترجمة مشهورة عند الجميع ، فاستنتجوا من ذلك أن طلب الشورى في تونس لم يكن القصد منه إلّا إحداث ارتباكات في المملكة تفتح الباب لمداخلة الباب العالي خصوصا ، وكان صاحب الترجمة معارضا شديد المعارضة في وصل سكة الحديد بين الجزائر وتونس وتعيين الحد الفاصل بينهما إلّا بعد العرض للدولة العليّة ، وزادوا في اقناع الباي بالتلغراف الذي أرسله خير الدين باشا يعلمه فيه بفصل إسماعيل باشا عن خديويّة مصر وقد استعمل الصدر الأعظم في تلغرافه عبارات اشتم منها رائحة التهديد والوعيد للباي حتى التزم الحال للاستفهام من الباب العالي بواسطة السفارة الفرنساويّة عن الغرض من عبارات ذلك التلغراف مع أنه في ذلك الوقت كانت العلاقات الخصوصيّة بين المرحوم وخير الدين باشا معكرة مكدرة من حين خروج الباشا المذكور