هذا الوقت. وقد قبل السيد محمّد بيرم مأموريته كما قبل المرحوم حسين باشا وزير المعارف إذ ذاك بتونس مثلها لدى البرنس «بسمارك».
ولما توجه صاحب الترجمة للسلام على الأمير سلام الوداع واجهه بكلام اللوم والعتاب على ما جرى منه من تعضيد المطالب الأهلية ، فأجابه الشيخ بيرم بكلام أثر في نفسه تأثيرا لم يزل يكرّره بتوجع إلى آخر مدته وهو أنه قال له : «إننا نطلب الحريّة الّتي قال سيدنا أنه لا يعطيها لنا غيره» فأجابه الأمير : لمن أعطي الحريّة أللنجار والحداد أم لك أو لهذا؟ (وأشار إلى أحد كبار الحاضرين) فإن النجار والحداد إذا أعطيا الحريّة أساءا التصرف بها ولم تبق لنا معهما راحة ، فقال له السيد بيرم : «إن الحريّة الّتي يعطيها سيدنا للحداد والنجار تصيرهما مثلي أنا ومثل هذا» ، وأشار إلى ذلك الوجيه وسبب انزعاج الأمير من هذا الجواب هو تكرار لفظة الحريّة فيه ولم يعهد أنه سمعه من قبل ، حتى أن أمراء تونس قديما كانوا يعتقدون أنهم يمتلكون البلاد بمن فيها من الأرزاق والأنعام والسكان امتلاكا شرعيّا لا ينازعهم فيه منازع ، وأورد المؤرخ اللبيب الشيخ أحمد بن أبي الضياف في تاريخه نادرة جرت له مع أمير تونس حسين باشا الثاني في هذا الموضوع كادت أن تورده حتفه رحمهالله. دولما وصل صاحب الترجمة هذه المرّة إلى باريس وكان ظاهر أمره أنه توجه للتداوي اجتمع بالموسيو «غامبيتا» وفاوضه في المسألة الّتي كلفه بها الوزير وسلمه تقريرا فيها هذه صورته :
«إني أقدم على وجه خصوصي غير رسمي إلى حضرتكم العليّة تقرير ما هو واقع في المملكة التونسيّة مما عساه أن يكدر صفاء القلوب حيث كنت أنا وأهل بلادي على علم من أن الدولة العظيمة الحرّة لا يبلغها ما هو حاصل الآن من نائبها في تونس الذي اتخذ طريقة التشديد والتخويف ديدنا في كل شيء حتى صير حكومتنا متحذرة من أصدقائها عوضا عن زيادة الألفة والركون الذي هو الواجب مع الأمة الفرنسويّة الّتي كل أهالينا يعلم أنها وحدها هي الّتي تفيدنا ولهذا عندما امتلأ وطابنا من الكدر لم نقصد إلّا ابلاغ الحال إلى رجالها المنصفين من غير أن نطرق بابا غير بابها وذلك أن موسيو «رستان» النائب المذكور بعد أن أوقع دولتنا في إرتباك وكاد يغير علينا الدولة الفرنساويّة في نازلة موسيو دو صانسي الّتي لا تستحق تلك الأهميّة حسبما يوضح ذلك التقرير الذي حرره مجلس التحقيق المعين من فرنسا وبعد أن اضطر حكومتنا الفقيرة الّتي لم تستطع دفع كبونها (فوائد ديونها) ولا مرتبات متوظفيها إلى دفع مبالغ مجانا من المال والأملاك إلى أناس لا فائدة بهم لكلا الدولتين لأسباب نتحاشى عن ذكرها أمام فخامتكم حتى أنه خسرنا في مدة الستة أشهر الأخيرة فقط نحو مائة ألف وسبعة وأربعين ألفا فبعد هذا كله إذا هو الآن يتعرض رسميّا لتحسين ادارة البلاد الّتي بها تتمدن الأهالي ويدخلون في الحضارة وكانت الدولة الفرنساويّة أنالتنا إياها على يد نائبها سنة ١٢٧٤ ه ١٨٥٨ انتصارا للإنسانيّة والحق فعوضا عن زيادة التقدم مع تقدم العالم إذا هو الآن مضاد لذلك وقال إلى سيادة سيدنا الباي لا تفعل مجلس الشورى الذي طلبته منك الأهالي وابق على حالتك العتيقة بل أوعز إليه مع بعض أعوانه المنكشف