أعوان الوزير على القاضي المالكي الشرعي بديوان الحكم وهو أمر لم يعهد له مثيل في تونس حيث لم تزل الأحكام الشرعيّة وحكامها مرموقين بعين التبجيل والاحترام اللائقين ، فهاجت البلاد لذلك وماجت واتفق الحكام الشرعيون على تعطيل الأحكام إلى أن يسترضيهم الأمير بعزل الوزير وعقاب تابعه العقاب الصارم وإجراء القوانين والمجالس الشورويّة في البلاد لتكون ضمانة كافية على عدم العود لمثل هذا الحادث المكدر وعدم تسليم الادارة لمن لا يكون كفوءا لها ، وبعد أن اتفقت كلمتهم على هذه المطالب وكادوا أن يحصلوا عليها دخل بين بعضهم داخل الغرور والتفرقة فتشتتت آراؤهم وانحلت جامعتهم ورضوا بتبعيد التابع المتطاول لاحدى معاقل المملكة في قابس الواقعة على حدود طرابلس ، وبتشكيل الأمير لمجلس سماه مجلس الشورى للنظر في مهمات أمور الدولة وجعله تحت رئاسة الوزير نفسه وأعضاؤه بقيّة وزراء المملكة ومستشاروها وليس فيهم إلّا اثنان من الأهالي والباقي كلهم من مماليك الجراكسة وزاد عليهم اثنين هما السيد محمّد بيرم والعربي باشا زروق رئيس المجلس البلدي ، وكانا من أشد المعضدين لعزائم الحكام الشرعيين في مطالبهم الّتي طلبوها وكان ذلك في ١١ رجب سنة ١٢٩٦ ه ولا يخفى ما في رضاء المشايخ بمثل هذا المجلس خصوصا بعد تعيين صاحبيهم فيه من الايقاع بهما والتغاضي عن صالح البلاد الحقيقي.
ولم تطل الأيام حتى اختلق الوزير مأمورية لصاحب الترجمة وأرسله بها إلى فرنسا وحاصلها السعي لدى كبراء القوم وخصوصا «غامبيتا» رئيس مجلس النواب إذ ذاك وصاحب القول الفصل في بلاده ، لتغيير قنصلهم في تونس لأنه اشتد على الحكومة اشتدادا لم يبق لها حريّة للعمل في شؤونها الداخلية قط ، ولم يقف عند حدّ في إلقاء الدسائس والفتن وتوغير الصدور بين الراعي والرعيّة حتى أنه لما طلب أعيان الأهالي التونسيين ما طلبوه من تأسيس الحريّة والشورى في بلادهم كان الموسيو «رستان نائب» الجمهوريّة الفرنسويّة ينصح الأمير بعدم الاصغاء إلى هذا الطلب ، وإن العساكر الفرنسويّة بالجزائر مستعدة لمعاضدته وكسر شوكة الأهالي واذلالهم عند اللزوم ، وهي سياسة قديمة اتبعتها فرنسا في تونس نفسها ، فإن قوانين عهد الأمان السابق ذكرها المؤسسة في تونس سنة ١٢٧٤ ه كانت بمساعي فرنسا وانكلترا ظاهرا وتهديدهما للأمير باسطوليهما اللذين حضرا لذلك الغرض وكان ذلك لمجرد قتل يهودي في اقامة حدّ اقتضته الشريعة ، ولما اجريت تلك القوانين بالفعل سنة ١٢٧٧ ه وتوجه الأمير لمقابلة الامبراطور نابليون الثالث في الجزائر وأهدى إليه نسخة من تلك القوانين اقتبلها منه بالشكر ظاهرا ولما اختلى الامبراطور بقنصله «ليون روش» وبخه توبيخا شديدا على ما رواه المرحوم الجنرال حسين وأفهمه غلطه من المعاضدة على إجراء القوانين الشورويّة في تونس حقيقة ، وقال له : «إن العرب إذا تأنسوا بالعدالة والحريّة فلا راحة لنا معهم في الجزائر مطلقا» ومن ذلك الحين وجه القنصل همته لاقناع الوزير مصطفى خزنه دار بإلغاء تلك القوانين ووجد منه اذنا صاغية فألغاها وبقيت كذلك إلى