ما شهد به العيان وتواتر النقل فيه حتى بلغ حد القطع ، فإن رجلا زرع في أراضي الساحل التابعة لبلد سوسه ربع قفيز قمحا فحصل مائة قفيز وخمسة عشر قفيزا ، وبلوغ هاته الدرجة قليل والكثير أن من يزرع قفيزا يأخذ من الستة عشر قفيزا إلى الخمسة والثلاثين قفيزا ، وقد حكى الوزير أبو محمد خير الدين باشا ، عندما كان وزيرا بتونس إلى نائب إحدى الدول ما يحصل بتلك الجهة من عظم الخصب ، وأن الأمير أحمد باشا كان أتى في أحد أسفاره بجذر من شعيرة واحدة أنبتت ستمائة سنبلة وأزيد ، فظهر على وجه النائب استبعاد الحقيقة وسكت الوزير إذ ذاك ثم أرسل إلى عامل القيروان وجلاص بأن يبحث عند استواء الزرع على أعظم جذر وأكثره سنابل ، فأرسل إليه صندوقين عظيمين بكل واحد منهما جذر واحد فاستدعى الوزير ذلك النائب ومعه طائفة من الأعيان وأراهم الجذور فاعتنوا بأنفسهم بالبحث عن المنبت ووجدوا أصله شعيرة واحدة ، وعدوا كم تفرع في أحدها فتجاوزوا في العد الأربعمائة والخمسين وبقي نحو الثلث بلا عد ، وقالوا يكفي الذي تحمل منه هذا العدد فله أن يتجاوز حتى الألف ، ويعظم طول السنبل أيضا حتى يحجب الفارس بفرسه إذا مر فيه ، والعادة عند فلاحة تلك الجهات أن يزرعوا حبات الشعير كزرع الشجر ، أعني يتركون بين الشعيرة والشعيرة مسافة وسيعة وأما بقية السنين فأما أن يخسروا رأس المال أو بعضه أو يحصل لهم ربح يسير ، وذلك لقلة نزول الأمطار بتلك الجهات لخلوها عن الجبال المرتفعة والأشجار الطويلة ، وأراضي هذا القسم يلزمها البذر القليل بالنسبة للقسم الأول ، فالمقدار من الأرض الذي يبذر فيه قفيز في القسم الأول يبذر فيه في هذا القسم الربع وأقل.
وأما القسم الثالث : فهو غير صالح لزرع الحبوب بالمرة ، وهو الجهة الجنوبية المسماة بالجريد لأنها أراضي متسعة من الرمل وقريبة إلى الصحراء الكبيرة ولا تصب فيها المطر إلا نادرا ، وإذا صبت أضرت بأهلها لأن نباتهم أكثره النخيل والمطر تضر بثمره العجيب وأما نبات هذا القطر فأغلب زراعة أهله في القسم الشمالي والأوسط هي الحبوب من القمح والشعير ، وأقل منها الذرة والفول والدرع والجلجلان والحبة الحلوى والكروية والبسباس والتابل والحبة السوداء والكتان والقطن واللوبياء والبطاطس والحمص والعدس ، ولكثرة خصب هاته الأشياء كان هذا القطر يسمى بمخزن حبوب روما ، ويزرعون من البقول الطماطم والبصل والصلق والكرنب والبروكلو والقناوية أي الباميا والملوخية والفلفل الأخضر والأحمر والمعدنوس والسنباخ والكرضون والدبا بأنواعها ، والحمقاء والشبت والثوم والخس والسكوريا والبراصا والفجل والسماق والكلافس والفراولو والبطيخ الأحمر والأخضر والقثاء واللفت والكسبرا وبوخريش والإسطفلينا ، وفيه أنواع برية عجيبة الرائحة والمنظر لا يحيط بها إلا خالقها ، ومنها : القيحوان والبابونج والأتاي