بكثرة سياجا على البساتين وهو مرغوب فيه في هذا القطر لتمعش أقوام مثل جلاص وتفكه الآخرين ولو من أهل المدن ، لطيب نكهته وطعمه مع قلة ضرره إلا إذا أكثر أكله على جوع فإنه قابض جدّا ربما قتل بذلك ، ومن طبيعته أنه يكثر في سنين الجدب أي في العام الذي تقل فيه الأمطار ، ولذلك صار الهندي أهم النبات النافع للفقراء.
كما يستنبت في هذا الإقليم التبغ أي ورق التدخين والنشوق ، فأما ورق التدخين : ففيه الجيد ولكنه لا يبلغ إلى أعلى نوع منه ، وأما ورق النشوق : فإنه أعلى من جميع أنواع ما يزرع منه في غير هذا القطر ، سيما ما يزرع منه في جهة باجة وتبرسق وقربة ، وعادة دقه في هذا القطر أنه يدق ناعما للغاية وقد كانت فيه أرباح للقطر بكثرة خروجه منه ، والآن صار يجلب إليه كثير من الخارج لتحجير الحكومة زرعه بإطلاق ، حيث كان لها عليه آداء وافر ، وينبت أيضا الجوز والسفرجل والعناب والزعرور والرمان وبوصاع والموز والنخيل ، غير أنه في غير الجريد لا يتمر إلا ثلاثة أنواع وهي : البسر الأخضر والأصفر والرطب ، وأما في الجريد فله أنواع عدها بعضهم ثمانين نوعا ، واختص على جميع ما علمنا من الأقاليم رؤية وسماعا بالنوع المسمى بالدقلة الذي لا نظير له حلاوة ولذة طعم ، ويحمل منه لسائر المعمور رغبة فيه إلى غير ذلك من سائر نباتات الأقاليم المعتدلة ، لا سيما الجبال الشمالية الكثيرة المياه فإنها يوجد بها حتى بعض نباتات الأقاليم الباردة ، وهي على ممر الأيام نضرة خضرة بما كساها الله من جمال النبات والخصب.
وأما هواء هذا القطر فهو معتدل الأغلب ، والجهة الجنوبية يغلب فيها الحرّ وإذا هب الريح الجنوبي على أي جهة وفي أي وقت يحصل منه الحرّ لا سيما في الصيف فإنه يؤذي بحره حتى بعض الثمار والأشجار ، وفي غير ذلك الإعتدال هو الغالب ويشتد البرد في الشتاء لكن لا يصل إلى إنجماد الماء أو نزول الثلج إلا نادرا ، نعم في جبال الشمال المرتفعة يحصل الجمد في كل سنة بل يبقى الثلج في بعضها ولو في الصيف لكنه قليل ، وأغلب جهات القطر سليمة الهواء موافقة للصحة وفيه جهات حسنة الهواء جدا نافعة للمرضى ولو بمرض السلّ الذي أحسن علاجاته الهواء لأن مجلسه الرئة ، فمن هاته الجهات الحسنة المشهورة ، المكان المعروف برأس الجبل ، وهو جهة الشمال من القطر بقرب شاطىء البحر تبعد القرية التي هي مركزه على البحر نحو أربعة أميال ، والبحر من شماليها وهو على سفح جبل منخفض مرمل تحف بها بساتين ناضرة إلى البحر تسقى بآبار ذات ماء حلو جيد نقي ، وعلى شاطىء البحر عين عذبة ضعيفة الجريان لكنها نابعة من الصخر حلوة جدا نقية مسرعة للهضم كثيرا بحيث يصير الشارب منها يأكل أكثر من عادته ، وكذلك من الأماكن الشهيرة بحسن الماء والهواء بلدنا بل التي هي قاعدة الوطن القبلى ، وهي على مبتدىء الرأس الطويل رأس أدار عند اتصاله بالقارة ، تبعد على البحر نحو ميل وهو من شرقيها الجنوبي ، وهي في وهاد مرمل وراءها جبل وأمامها بحر وتحدق بها البساتين والجنان بأنواع الليمون والبرد قال وغيرهما من الفواكه.