القطر ، وقال أبو عبد الله الباجي المسعودي (١) فيه عدة موشحات منها قوله :
يا شاطىء المرسة السلام |
|
عليك يا نزهة العيون |
وأشهر أماكنها العبدلية المشتملة على سوق وقصور أنيقة لولي العهد في الولاية الأمير علي باي ، وفي الجنوب الشرقي من الحاضرة على بعد تسعة أميال مستقيما مرسى حلق الوادي التي هي أكبر مراسي القطر ، ويكثر سكانها صيفا حيث ينتقل الوالي والحكومة إليها وكثير من اليهود للتنزه بها ويبلغ سكانها إذ ذاك إلى نحو ثلاثين ألفا ، وقد أحدث خارج سورها بناآت كثيرة نحو بلدة جديدة في شرقيها على ترتيب هندسي ، وبينها وبين مرسى قرطاجنة المتقدمة بلدة جبل المنار هي أقرب إلى الثانية ، وهي مقرّ انتزاه أهل الحاضرة في الصيف ، تشتمل على أزيد من أربعمائة دار أغلبها أنيق متقن مطلة على البحر بحيث يراها القادم في البحر على أحسن منظر لتصاعدها في الجبل مع تزويق الأبنية ، وإن كانت طرقها وسخة وقد التفتوا في المدة الأخيرة إلى شيء من نظافتها. وتشتمل على ضريح الوالي الصالح سيدي أبي سعيد الباجي ، وغيره من الأولياء رضياللهعنهم ، وتنسب البلدة إلى سيدي أبي سعيد.
كما أنه بين هاته البلدة وبلدة حلق الوادي عدة قرى في مكان مدينة قرطاجنة العتيقة التي هي الآن خراب ولم يبق منها قائما إلا مواجل الماء ، وقد كانت مسدومة بالتراب ، ثم في هاته المدة الأخيرة فرغت منه ووجدت حيطانها وطليها أحسن مما يبنى جديدا ، وهي نحو إحدى عشرة ماجلا متصلة ببعضها بمنافذ ولا تحتاج إلا لشيء يسير من الإصلاح ، وهي من المباني العجيبة التي تقصدها السواح لرؤيتها ، كما أن خرائب قرطاجنة لا زال يستخرج منها الصخور الضخمة والاسطوانات المرمر ، وكثير من الإفرنج يبحث فيها على الأشياء العتيقة ويستخرج منها تصاوير وأصنام وصناديق من رخام عليها كتابات عتيقة ، وهي قبور لقدمائهم وتارة يستخرج بعض فصوص منقوش عليها تصاوير في غاية الإتقان ، فمنها : فص قدر الظفر منقوش به عجلة وأربعة من الخيل ، ومن اتقان النقش أن صفائح الخيل تظهر مساميرها ولا يستبين عجبها إلا بالمرآة المكبرة ، كما يستخرج أحيانا قطع من السكة ذهبا أو غيره.
والحاصل أن هاتيك الجهات وما حولها إلى الجبل الخاوي لا زالت تشتمل على عجائب من آثار الأقدمين ، ومن القرى الواقعة هناك الآن أشبه شيء بالخراب المعلقة ودوار الشط ثم بينهما وبين حلق الوادي بساتين قرطاجنة على الشط ، وهي جميلة ذات قصور أنيقة. وفي الجهة الشمالية الشرقية من الحاضر بساتين سكرة ، وسميت بذلك لأنها كان
__________________
(١) هو محمد الباجي ابن أبي بكر عبد الله بن محمد المسعودي البكري التبرسقي ثم التونسي أبو عبد الله (١٢٢٦ ـ ١٢٩٧ ه). مؤرخ كاتب أديب شاعر مولده ووفاته في تونس. الاعلام ٦ / ٤٧ شجرة النور ١ / ٣٩٥.