وقد سافر صاحب الترجمة من تونس في ٢٦ شوال سنة ١٢٩٦ ه ولم يعد إليها بعد وقصد مالطه ومنها للاسكندريّة ومصر القاهرة ، وفيها تقابل مع الخديو المرحوم توفيق باشا وكان ذلك في ابتداء ولايته فقدّم له قصيدة في التهنئة بالولاية وتاريخها.
وقد دار الحديث بينهما عن كيفيّة نظام اللجنة الماليّة الدوليّة المؤلفة في تونس لادارة أشغال الدين وعن النتائج الّتي أنتجتها ، وهل البلاد متضررة منها أم لا؟ وكان ذلك بسبب ما اقترحته انكلترا وفرنسا إذ ذاك على الحكومة المصريّة من اقامة لجنة للمراقبة الماليّة ، ثم أن المرحوم سار إلى الحجاز وقد تقابل في مكة المكرمة مع المولى الشريف حسين الأمير الأسبق وأكرم وفادته ثم بعد أداء فريضة الحج والمناسك توجه للزيارة في المدينة المنورة حيث أقام ثلاثة أيام وكان مرضه العصبي مشتدّا عليه في الطريق وهناك توسل للحضرة النبويّة بقصيدة طويلة طالبا من الله الشفاء للبدن واللطف بالوطن ومطلع القصيدة :
إلى السدّة العظمى شددت عزائمي |
|
إلى سدةّ الاجلال شمس المكارم |
إلى باب خير الخلق خصصت وجهتي |
|
ومن فضل باب الله أملت راحمي |
إليك رسول الله قد جئت ضارعا |
|
وفضلك ممدود على كل قادم |
فيا خير خلق الله جد لي بالرضا |
|
وامّن مخافي من عقاب المآثم |
ويا أكرم الأمجاد هب لي توبة |
|
وأسس على التقوى قيام دعائمي |
وأنت ملاذي في أموري كلها |
|
فعجل شفائي من سقامي الملازم |
ألا يا رسول الله طهر بلادنا |
|
فقد جار في الأنحاء ظلما مخاصمي |
يريد خلاف الحق في الخلق جائرا |
|
فننصحه رشدا لذا كان ظالمي |
فعجل بانقاذ البلاد من الذي |
|
تأبط شرا وارتدى بالمظالم |
وفرج همومي والكروب وعلتي |
|
وليس سواك يرتجى للعظائم |
وللعدل أن ينقاد كل ملوكنا |
|
لكيما يحل الدين أعلى العواصم |
ومن المدينة المنورة توجه إلى ينبع وسافر منها إلى بيروت مارا على خليج السويس وقد ذكر هذه الرحلة في أول الجزء الخامس وما لاقاه في سفره من كرم واكرام صاحب السماحة السيد السند السيد سلمان أفندي القادري نقيب اشراف بغداد.
ولما وصل إلى بيروت لاقاه والي سوريّة إذ ذاك المنعم المقام الجليل الذكر مدحت باشا بمزيد العناية [و] الرعاية ، واحتفل به أعيان المدينة من مسلمين ومسيحيين بما أبقى لهم في نفسه الذكر الحسن والثناء المستطاب ، وكان المرحوم من جملة المشتركين المساعدين في جمعية المقاصد الخيريّة الّتي تأسست في بيروت لانشاء مدارس خيريّة وقد زار تلك المدارس ولاقى من احتفال الأساتذة والتلامذة وانشادهم القصائد والمقالات الرائقة بين يديه ما زاد ابتهاجه ، وقد هنأه الشاعر الدراكة البليغ المرحوم الشيخ إبراهيم الأحدب بقصيدة شائقة ذات أربعة وأربعين بيتا مطلعها :