لمراقبة حال الثورة العامة في القطر التي سيرد بيانها ، وأرسلت إلى الحكومة مليونا فرنكا لإعانتها على ما حصلت فيه من الضيق.
وفي سنة (١٢٨٨ ه) أبرم الفرمان الآتي ذكره الذي استقر عليه القرار.
وفي سنة (١٢٩٣ ه) أرسلت الإيالة نحو مليون ونصف فرنكا لإعانة الدولة على حرب الصرب.
وفي سنة (١٢٩٤ ه) أحضرت الأيالة نحو ذلك المقدار لكنه لم يصل منه إلى خزانة الدولة العلية إلا أقل من الربع ، والباقي صرف منه على تهيئة العساكر التي قدرها نحو أربعة آلاف في كسوتهم وتعينوا للإرسال وحصل الصلح قبل سفرهم وهم في انتظار لسفن الدولة العلية لحملهم إذ لم يكن للحكومة قدرة على ما تحملهم عليه ، وسبحان محول الأحوال. كما أرسلت الولاية في تلك السنة للإعانة المذكورة نحو ستمائة بغل وأربعمائة حصان وما زاد على ذلك مما سلمته الأهالي بقي عند الحكومة التونسية.
وما تقدم كله زيادة على الرسل التي تتوارد في أغلب الأحيان بين التابع والمتبوع الذي هو كثير ، وها نحن نثبت هنا نص بعض المكاتيب التي أرسلت من ولاة هذا القطر في النصف الأخير من هذا القرن ، حتى يتيقن معها زوال كل شبهة ، ولم نذكر ما كان قبل هذه المكاتيب لأن المكاتيب كانت ترسل باللسان التركي ، ولما تقادم عهد الولاة بتونس نشأ جيلهم الأخير على جهل باللغة التركية ، وكان أحمد باشا صاحب المكتوب الأوّل ذا احتراز ونقد فكر ، فلم يرد أن يمضي كلاما لا يفهم أسرار تراكييه ، فكتب باللغة العربية وقبلته الدولة ، إذ كثير من ممالكها عربي ولا يسعها إنكار لغة شريعتها التي هي الحامية والذابة عنها ، وكان إرسال هذا المكتوب مع عالم القطر سيدي إبراهيم الرياحي في الغرض الذي تقدمت الإشارة إليه ، وهو طلب العفو عن الأداء السنوي ونص المكتوب :
اللهم بالثناء عليك نتقرّب إليك يا فاتح أبواب القبول والإقبال ، ومانح المنح التي لا تمرّ شواردها على البال ، تنزهت في العظمة والجلال ، ولا تول عبادك الإهمال ، بمحض الرحمة والإفضال ، فأقمت عليهم خليفة تعرض عليه الأحوال ، ويرفع عنهم بإعانتك الإختلال ، ويسوسهم للصلاح في الحال والمثال ، صلّ على سيدنا محمد خاتم الإرسال ، والملجأ المنيع عند اشتداد الأزمة والأهوال ، وعلى آله وأصحابه الذين ورثوه في الأقوال والأعمال ، وسرت مكارمهم مسرى الأمثال ، ونستوهب منك عزا لا يبلغ حده ، ونصرا يمضي في الأعداء حده ، لهذه الدولة العلية ، والسلطنة العثمانية ، والمملكة الخاقانية ، التي رفعت من الملة الحنفية أركانا ، وشيدت من معالمها بنيانا ، وأقامت للحق قسطاسا وميزانا ، وروت أحاديث العناية الربانية صحاحا حسانا ، وورث ملوكها الأرض وهم الصالحون سلطانا