التعامل في القطر مثلما يتعامل أهله ، فعقد الوالي معه ذلك على كره ، وسجل وأرسل إلى دولة فرنسا معلما بأن الشروط أخذت شبه غصب ، وكانت إذ ذاك دولة فرنسا في شغل من الثورة على ملكها ، فعدلت تلك الشروط بعض التعديل.
فلمثل تلك الأسباب لزم فرنسا مراعاة مصالحها ومداخلتها في حراسة سياسة تونس ، والذي استقر عليه القرار من الدولة الفرنساوية من ذلك التاريخ إلا الآن ، هو ما يشير إليه ما رأيته بخط أمين أسرار الحكومة أبي العباس الوزير أحمد بن أبي الضياف ونصه : «لما اجتمع أي أحمد باشا بملك فرنسا وهو لويز فليب في خلوة ، قال له : «إن كنت تروم الإستقلال فلا سبيل إليه ، والذي تعتمده مني أن فرنسا تحمي بسياستها حالتك التي أنت فيها الآن ، بحيث لا يتعدى عليك أحد من جهة البحر ، وأما البر فدبر أمرك فيه من جهة طرابلس ، وأساس حمايتك هو التحبب إلى الرعية والرفق بهم». سمعنا ذلك منه مشافهة رحمهالله اه.
وهاته السياسة التي صرح بها ملك فرنسا إذ ذاك هي السياسة المعول عليها عند عقلاء الفرنسيس قديما وحديثا ، حتى قال أحد كبار جنرالات الفرنسيس وأحد حكام قطر الجزائر ، بقصد التبليغ إلى حكومة تونس والحال أنه عسكري والغالب على الحزب العسكري هو الميل إلى استيلاء ، وذلك سنة ١٢٩٥ ه عند ختام مؤتمر برلين في شأن الحرب الأخيرة بين الدولة العلية والروسيا ، وقد اشتهر إذ ذاك أن بعض نواب الدول في المؤتمر لما رأوا مشاحنة نائب فرنسا في تسليم قبرس إلى الإنكليز ، أو عز إليه على غير الطريقة الرسمية بأن تستولي فرنسا على تونس إرضاء لها ولم تعمل بذلك فرنسا ، فقال الجنرال المذكور لمن يبلغ : «قل لوزيركم وللباي ها أنتم ترون من هي الدولة التي تصدقكم من التي تكذبكم ، فإنهم يقولون لكم أنا نريد الإستيلاء عليكم ليبعدوكم وينفروكم منا ، والآن قد أعطوكم لنا وأبينا من الإستيلاء عليكم ، فلتعلموا من هو الصادق ولتعلموا أنا لم نمتنع من الإستيلاء عليكم لمجرد حب الباي ، لأن مصالح الدول لا تتداخل فيها الشخصيات ، وإنما امتنعنا لعدم فائدتنا ، لأن فائدتنا في تونس إن كانت هي المال فهي فقيرة وخالية ، وفرنسا ليست بمحتاجة. وإن كانت هي تكبير الأرض ففي الجزائر أراضي وسيعة ولا زالت إلى الآن خاوية محتاجة إلى العمران ، فالأولى بنا تعمير أرضنا قبل أن نأخذ أرضا أخرى خالية ، فأي مصلحة لنا في أن نرسل عساكرنا لإطلاق الرصاص عليهم في قابس والحالة ما ذكر ، نعم غاية ما نطلبه منكم هو الهناء والراحة في داخليتكم حتى نرتاح نحن براحة جوارنا ، وأما إذا أحدثتم الإختلال في داخليتكم وأحوجتمونا إلى إطلاق الرصاص لأجلكم ، فالأولى أن تطلقوه إذا لأجل أنفسنا لأن ما كنا نتباعد عنه توقعونا أنتم فيه الخ».
فكلامه صريح في أن سياستهم هي إبقاء تونس على ما هي عليه ، وكذلك سمعت من أعيانهم في السياسة أنهم كما لا يريدون هم الإستيلاء على تونس لا يريدون غيرهم أن