يتولاها ، مصرحين بحقيقة سياستهم التي وفى بها كلام الجنرال المذكور ، مع الأنفة من منة الدول في المؤتمر بإعطائهم شيئا لا فائدة فيه زيادة على ما هم حاصلون عليه وهو غاية أربهم في تونس ، بأن يكون لدولة فرنسا المنزلة الأولى فيها وتتقدّم على غيرها في النفوذ السياسي والمتجري ، بحيث تكون كل مصلحة عامّة لا يقتدر على عملها الأهالي أو الحكومة تسلم إلى الفرنساويين ، ويرغبون في أن تكون الإدارة في الداخلية حسنة تثمر كثرة العمران والثروة ليزداد بذلك متجرهم وحركتهم ونفوذهم ، لكن على وجه في الإدارة لا يمكن أن يتعطل به قصدهم ، ويرى بعضهم أن من أسباب التعطيل أن تكون الحكومة قانونية شورية إذ ربما رأوا أن ذلك يعارض مصلحتهم في بعض الأحيان باستناد الحكومة في الامتناع من الإجابة إلى بعض مقترحاتهم لرأي الأمة التي هي مقيدة به ، وذلك عندهم مما لا يمكن أن يعارض لأنه هو القاعدة الأساسية في مملكتهم وما عدا ما تقدّم فلا أرب لهم في الإستيلاء على الأحكام أو معارضة الوصلة مع الدولة العلية التي لا تنقض هاتيك الأساسات.
فهاته هي مقاصدهم فلو تجديد الإدارة في الحكومة قادرة على الإنتفاع بها ودفع غائلتها ، ومنها عدم الإستواء في الحكم لكان مما يعين على الراحة ورجال الدولة الفرنساوية قابلون لإصلاح الأحكام وانفرادها كما سيأتي بيانه ، ومثل ذلك تقييد الحكومة بالقانون الذي لا مندوحة عنه ، ويتبين لرجال الدولة الفرنساوية أن التقييد بالقانون لا يفوت مصلحتهم المذكورة لأن عقلاء الأمة باجتماعهم تكون حالتهم أدعى إلى ما يزيد في خير الوطن ، وما يدركه أفراد المستبدين في تونس بالتصرف من وجود مراعاة الدولة القوية المجاورة يدركه مجموع العقلاء للأمة على وجه أتم مما هو للأفراد ، ويراعون مقتضى الأحوال.
نعم إنهم يفرقون بين ما يعود لما ذكر وما يعود لأفراد في خويصة ذاتهم مما لا يرضاه عموم الأمّة لو تطلع على تفاصيله ، ولمثل ذلك ألحت دولة فرنسا على تونس في تأسيس التنظيمات سنة ١٢٧٤ ه كما سيتضح ، وعاضدتها دولة الإنكليز حتى ورد أسطول الدولة الأولى وكان في آثاره أسطول الدولة الثانية ، وألح كل من قنسليهما في إجراء الأمر محتجين بالشريعة وعمل الدولة العثمانية والسياسة الحاضرة ، وعاضدهما رئيس الأسطول الفرنساوي وتحققوا أن ذلك غير معارض لمصالح دولهم الخاصة ، وإن استند بعض متوظفيهم في بعض الأحيان ميلا إلى موافقة الولاة الممتنعين إلى أن الحكومة الشورية يخشى منها تعطيل مقاصدهم وينهون إلى دولهم الأحوال على ما يوافق سلوكهم ، وربما أشاروا إلى فوات مقصود دولتهم إذا خالفت رأيهم فتضطر دولتهم إلى السلوك على ما يشيرون إليه ، حيث أن الدول العظيمة تراعي الوصول إلى مقاصدها في الخارج بأي طريق أمكن ، وتكسو تلك الوسائل بحلل تحسنها أيدي السطوة والقوّة ، ولا مقايسة بين سيرتهم في داخليتهم وسيرتهم في الخارج سيما في الجهات التي لهم فيها مأرب ، فربما ارتكبوا في ذلك ما لا يمكن