تصور مثله في داخليتهم ، ووجه ذلك هو التوصل إلى نفع دولتهم لأن مثل تلك المنافع إذا ساغ أن تعقد لأجله الحروب التي تراق فيها الأنفس وتضيع فيها الأموال من الطرفين ، فلئن يتوصل إليها بوسائل أخرى أيا كانت فهو أخف وأولى ، ولهذا لا ترى أثرا لمثل تلك السيرة في الجهات التي لا مقاصد لهم بها ، بل تراهم هناك يسيرون على نحو سيرتهم في داخليتهم ، وسيأتي لهذا مزيد بيان في الخاتمة إن شاء الله تعالى ، إذ القصد هنا خصوص ما يتعلق بالقطر التونسي من جهة سياسته الخارجية.
وحاصله من جهة فرنسا : إبقاء تونس على حالتها وامتيازاتها والامتناع من زيادة الإلتحام بالدولة العلية ، ولذلك لما قدم قبطان باشا إلى طرابلس لافتكاكها من يد آل قراماني سنة (١٢٥١ ه) ، أرسلت فرنسا أسطولا إلى حلق الوادي حذرا من قدوم الأسطول العثماني إلى تونس ، فتخوف إذ ذاك والي تونس مصطفى باشا من أن يتهم بسعيه في ذلك ، وكاتب قنسل فرنسا بما نصه :
وبعد ، فإن جناب الدولة الفرنساوية وجهت أجفانها لمرسى عمالتنا على مقتضى المحبة والمودّة وقابلناهم بإكرام ، لأن شقوفنا في مراسي الفرنسيس كأنها في مراسي عمالتنا ، فكذلك شقوف الفرنسيس عندنا ، وأما إقامة الأجفان في هذا الوقت بحلق الوادي ودونالمة مولانا السلطان بقربنا وفيها السيد قبطان باشا ، ربما تنتج لنا مضرة في الحال أو في المستقبل من جهة الدولة العثمانية أدام الله لنا وجودها ، لأنها ربما تظن في جنابنا ظنا يضر بنا ، ومعلوم أننا تحت طاعة مولانا السلطان في أمره ونهيه وباسمه نخطب في جوامعنا وعلى سكتنا ، فلا يخطر ببالنا أننا نعصيه أو نخالف أمره أو نعارضه بشيء ، فالمراد أن تعرف الأمرال بهذه المضرة التي نتوقعها والاعتماد على كمال عقلكم في حسن التبليغ ، وشقوف الفرنسيس مهما تمر بنا أو تأتي لمرسانا فمرحبا بها ، ونقبلها بالإكرام على مقتضى قوانين المحبة ولا زائد إلا الخير والعافية ، وكتب في (١١) جمادى الثانية سنة (١٢٥٢ ه).
وأجابه القنسل بما نص تعريبه :
أنه بلغنا ووصلنا المكتوب الذي تشرفنا به من عند السيادة ، وأعلمنا به الأمرال للندن وعلمنا جميع ما تضمنه ، وجوابنا عليه هو ما سنذكره ، وهو أن جنابكم العلي بريء وأجنبي وخارج من الإتفاق الذي اقتضاه نظر الدولة الفرنساوية في إرسال هذا الأسطول لسواحل تونس ، وأنتم لا يمكن لكم أن تمنعوا دولة الفرنسيس من ذلك وهو إرسال شقوفها لسواحل تونس ، ولأجل ذلك لا يوجد عليكم لوم ولا عتاب من جناب الدولة العثمانية ، لأنه لا وجه لذلك ، والدولة الفرنساوية تعلم تحقيق حالتكم مع الدولة العثمانية وحاشا جناب دولتنا أن ترضى بما يوجب لكم غيارا مع دولتكم ، وإنما مراد الملك أن تبقى جناب دولتكم مع الدولة العثمانية على العهد القديم السابق من غير تبديل ولا تغيير ، لكن الدولة العثمانية لا يمكن لها أن تخترع أمرا جديدا تضر به مصلحة الفرنسيس في الناحية التي تحت يده في أفريقية ،