ولأجل أن يمنع ما عسى أن يقع من المضرة أرسل الملك أسطوله لتونس ليمنع به قدوم قبطان باشا لأجل التصرف بما هو مأمور به ، والأمرال لما بلغه أن قبطان باشا أتى لطرابلس وأعلم أن مراده الإتيان لتونس ، في ذلك الحين أرسل الأمرال جفنا من الأجفان التي تحت حكمه هنا ليعلم قبطان باشا أن حبيب السلطان الصافي وهو ملك الفرنسيس لا يمكن له أن يتحمل هذا التعدي بوجه من الوجوه في المملكة التي تحت يده في أفريقية ، لأن قدوم دونالمة المسلمين إلى تونس يتقوّى بها قلب باي قسنطينة الذي عندنا معه في التاريخ مكالمة ، وربما كان بيننا وبينه حرب ، فلأجل ذلك نعلم قبطان باشا أن لا يقدم ويرجع للمحل الذي جاء منه ، فإن صمم وعزم على القدوم فإن الأمرال واجب عليه أن يصده ويمنعه بالمدافعة القهرية بالقوّة ا ه.
فأنت ترى كيف صرح بالحالة المطلوبة مع تصريحه بأن الدولة العلية هي دولة تونس ، لكنها بامتيازها كما هو صريح عبارته لمن تدبرها ، فهذه هي السياسة الخارجية لهذا القطر ، واستمرّ عليها إلى سنة ١٢٨٠ ه التي حصلت فيها الثورة العامة الآتي بيانها ، ونادى الأهالي بالتشكي للدولة العلية ، وقدّمت شكايات شفاهية وكتابة لرسولها حيدر أفندي عند قدومه بالأسطول العثماني مع أساطيل الدول ، وطلبوا بواسطته تداخل الدولة العلية في تحسين إدارة القطر ، بل إن بعض البلدان طلبوا الإنضمام الحسي للدولة ورفعوا العلم العثماني ، وتداخل في هاته الثورة نواب الدول كل على حسب ما تقتضيه سياسته ، فأثرت الحالة في الوالي ووزيره مع ما هو معلوم من الحالة السياسية السابقة ، وأنتج الرأي أن يرسل بالشكر للدولة العلية عما فعلته ، ويطلب منها تحرير الروابط والإمتيازات كتابة بما لم يبق معه مقال لقائل ، فسافر بذلك الوزير خير الدين مع التفويض التام ، وقص على الصدر الأعظم وهو إذ ذاك فؤاد باشا مطالبه ، وحصلت مذاكرات مع رجال الدولة عديدة أنتجت الإتفاق على أصول الروابط المبنية على العوائد المعروفة الآتي بيانها في نص الفرمان الآتي.
وتلقى الوزير خير الدين مع مزيد الترحاب به من الدولة ما يبلغه للوالي شفاها من مزج حلاوة الثناء عليه بمرارة الإعتراض على تصرفاته التي هوت بالقطر إلى الخراب وتلقى ذلك حتى من فم السلطان عبد العزيز نفسه ، ثم رجع بمكتوب من الصدر فؤاد باشا محتويا على الأصول التي وعد بأنها سيصدر بها الفرمان الذي صدر الإذن السلطاني به ولم يساعف الوقت للعجلة بصدوره ، ثم كتب الوالي يشكر ذلك واستنهض صدور الفرمان مرارا فيرد الجواب بالوعد ، وكان جميع ذلك غير معلن به إلى سنة (١٢٨٨ ه) وكانت فرنسا إذ ذاك في شغلها الشاغل من حرب ألمانيا لها ، فاطمأنت إيطاليا من جهتها وظنت تأثير التباعد من الدولة العلية وسنحت لها فرصة وهي أن وزير الحكومة التونسية مصطفى خزنه دار اكترى أرضا وسيعة تسمى بالجديدة إلى لجنة إيطاليانية ، وأرسل الوزير أحد أعوانه إلى تلك الأرض رائما التسبب لفسخ الكراء مع ما في نفس إيطاليا من جهة تونس ، فادعت اللجنة