خسائر حصلت لها من تعدي تابع الوزير لو بسطت من الذهب على سطح تلك الأرض لما وسعتها وامتنع الوزير من تحمل ذلك ، فأعلن قنسل إيطاليا بقطع الخلطة وتهدد الوالي وجهزت إيطاليا أسطولها للإستيلاء لو لا تعرض الدولة العلية الذي حجزها عن ذلك ، وانفصلت النازلة بالشروط التي أرادتها دولة إيطاليا في الخسائر التي ادعت بها اللجنة ولم تختص بالواقعة بل هي عمومية ، فتيقن الوالي أن لا نجاة إلا باحكام الوصلة مع الدولة العلية بأمر علني تحصل منه الراحة ، فكتب الوالي يستحث إصدار الفرمان ، وكتب الوزير خير الدين للباب العالي مكتوبا في بيان الأخطار المحيطة بالإيالة إذا لم تتدارك الدولة العلية بحفظها ، فورد الجواب من الصدارة بأن نازلة الفرمان مهما تقتضي إرسال من يعتمد من الوالي للتفاهم في النازلة مع تلميح أو تصريح باستقباح السيرة التي عليها الوالي والصدر إذ ذاك علي باشا ، ففهم رجال الحكومة أن الدولة غير راضية بأن يبني الفرمان على ما في مكتوب الصدر السابق ، فوجه الوالي الوزير خير الدين بالتفويض الذي نصه :
من عبد الله سبحانه الموكل عليه المفوّض جميع الأمور إليه المشير محمد الصادق باشا باي سدد الله تعالى أعماله وبلغه آماله إلى الهمام المفخر أمير الأمراء إبننا خير الدين الوزير المباشر أدام الله حفظه وأجزل من السعادة حظه (أما بعد) :
فإننا بمقتضى ما نتحققه من صدقك وأمانتك وكتابتك وجهناك للأبواب العلية السلطانية العثمانية أعز الله نصرها وأدام الله فخرها للكلام فيما يؤكد أصول عاداتنا المألوفة المعروفة الآن وما تنفصل به مع الدولة العلية في ذلك بالكتابة فهو ماض في حقنا ، فوضنا لك في ذلك التفويض التام بحيث لم نستثن عليك في ذلك فصلا من فصول التفويض ولا معنى من معانيه ، وأقناك فيما ذكر مقام أنفسنا تفويضا تاما عرفنا قدره والتزمنا به والله أسأل لكم التوفيق والإمداد وبلوغ الآمال والإسعاد.
ومع التفويض المتقدم ومعرفة العادات المألوفة ، فإن الوزير المذكور لم يتمم شيئا مع الدولة إلا بعد أن عرض على الوالي الشروط التي استقر عليها الرأي للفرمان وقبول الوالي لها مع الإستحسان ، فتمم الفرمان مع الصدر إذ ذاك محمود نديم باشا ، وقاسى الوزير خير الدين متاعبا من مناضلة رجال الدولة العلية في زيادة شروط الإمتياز ، وناضل الوزير خير الدين عن حقوق البيت الحسيني بما يشهد له بصدق الوفاء والبراعة في السياسة ، ولم يزد في الفرمان على ما تضمنه مكتوب الصدارة إلا قليلا ، ورجع الوزير خير الدين بالفرمان علنا مع إعلاء رتبة نيشانه وإتيانه بالنيشان المجيدي المرصع للوالي ولعدة من كبار رجال الحكومة بنياشين ، ولما وصل إلى مالطة لزمته إقامة مدة الاحتماء بها حيث كان في الأستانة مرض الكوليرا ، ومن استبشار الوالي به وشكره على عمله أرسل له أمير لواء العسة مصطفى ابن إسماعيل ، وهو إذ ذاك أعز المقربين إليه فواجهه من خارج محل الاحتماء وأبلغ إليه التشكر وبات ليلة ورجع في الباخرة الخاصة التي قدم فيها ، ولما قدم الوزير المذكور