يمكنه إحضاره لهم ، فنشأ عن ذلك ولاية شاكير صاحب الطابع الإدارة بشروطه الشديدة على الوالي في تقصير يده عن التصرف في المال وفي العمال ، وأخذ من دار الوالي أغلب ما فيها من فضة وذهب واحتسب على خاصة مصاريفه الذاتية وتحملت الأهالي أول ولايته مظالم مالية إلى أن خلص الدين وعمر خزائن الحكومة ، وموجبات الإقتصاد الكلي هي ضعف واردات الحكومة للإقتصار على الحد في المداخيل الشرعية أو ما له شبهة بها ، كما تقدم في توزيع جرايات العساكر تحفظا على الديانة وللسير على ما تساعفه الديانة أيضا في غالب الأحوال إلا ما يندر ، كالعقاب بالمال على الراجح من منعه شرعا وأمثاله ، كما تقدم طرف منه ما دامت الرعايا راضية به ، ثم إن الإقتصار على ذلك لا يجتمع منه مبالغ تقتضي الترف لأن طبيعة أرض القطر ولئن كانت غنية غير أن كثرة توالي الحروب عليه والأمراض والمظالم في الدول السابقة أفنت من السكان القدر الأوفر ، فقد نقل بعض المؤرخين أن عدد سكان أفريقية في صدر الإسلام ويعني بها ما يشمل برقه المعروفة الآن ببني غازي وطرابلس وتونس والجزائر هو تسعة عشر مليونا ، مع أن عدد الجميع الآن لا يبلغ ستة ملايين ، ثم مع قلة السكان ضعفت أعمالهم واقتنعوا بما يسد الخلة ، وبقيت الأرض معطلة لوجوه : منها.
عموم الجهل بصناعة الفلاحة وتعمير الأرض وتكثير الأشجار ، ومنها :
خوف صاحب الثروة على نفسه وماله فيرى أنه يعمل لغيره فينزع منه الباعث ، ومنها :
الإكتفاء بما خف لسهولة الرحيل في الفتن ، ومنها :
عدم الثمرة إذا كثرت الغلال والحبوب لصعوبة نقلها للمدن وعلى تقدير وصولها لا تجد لها مشتريا ، لمنع إخراجها من القطر لأجل الحروب المستمرة مع أوروبا إلا لبعض الأجناس أحيانا لوقوع الصلح معه ، فإذا بقيت النتائج في البلاد رخص سعرها لزيادتها على قدر الكفاية واستمرت السيرة على نحو ما مر إلى ولاية أحمد باشا.
فأخذت الحكومة في طور جديد وتبعها الأهالي على مقتضى قاعدة الناس على مذهب أمرائهم ، وذلك أن هذا الوالي كانت له همة عظيمة أكبر من حالة القطر ، وقد وجد في ولاية أبيه ابتداء تنظيم العسكر النظامي فاعتنى هو بهم وبمهماتهم وتعظيم رؤسائهم ، ثم جد في تفخيم هيئة الحكومة تفخيما لا يخرجها عن المقام الحقيقي فلم يقل في مكاتيبه ألقابا تشعر بالإستقلال كإطلاق لفظ الدولة والمملكة ولم يطلق على نفسه لفظ ملك متحاشيا عن ذلك كل التحاشي هو وابن عمه محمد من بعده ، وإنما غير ما لا يمس الحقوق حتى غير الألقاب المار ذكرها آنفا. ففي الوظائف الشرعية لقب رئيس المفتيين
__________________
ـ معلومة إلى أمد معلوم ، فكأنك قد أسلمت الثمن إلى صاحب السلعة وسلمته إليه. لسان العرب ٦ / ٣٤٦ مادة (سلم).