ومنها تجديد بناء زاوية الولي الصالح ملاذ أهل تونس وعمدتهم سيدي محرز بن خلف (١) رضي الله تعالى عنه ، وهو رجل كبير في العلم والصلاح من كبار رجال مذهب الإمام مالك رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ، وبنيت بناء حسنا وما صرف على جميع ذلك من مال الحكومة ، كما أنه استوهب من الوالي محمد الصادق باشا سبخة السيجومي التي بقرب الحاضرة من الجهة الغربية الجنوبية وأنفق على تنشيفها عدّة مئين من الألوف من مال الحكومة ، وحفر لذلك خندقا يمرّ في واد بين جبال المحل المعروف ببئر القصعة ثم يمرّ على الوهاد المعروف ببحيرة باش حانبه ، ثم يصل إلى الأرض المعروفة بمدار ابن عروس وهناك ينهمل الماء المنحدر من السبخة فحصل بذلك تلف الأراضي التي على مصب ذلك الخندق ، لأنه لم يجعل لها سبيلا إلى الوصول إلى البحيرة مع كون مائه ملحا أجاجا ، وتعطلت عند مصبه الطريق الموصلة إلى مرناق وإلى حمام الأنف ثم ما والاه من الجهة الجنوبية في وقت الشتاء لتعطل طريقه الأصلي من الوحل فصار الطريق الشتوي أيضا إما معطلا أو صعبا جدّا مع أن نفس السبخة لم تنشف لأن ارتفاع قعرها على سطح البحيرة إنما هو نحو ميتروين ونصف فقط ، ويلزم لانحدار الماء في الأقل صانتي ميتر لكل ميتر ، وطريق الخندق لما كانت طويلة لم يكن فيها الإنحدار المطلوب فلم تنشف السبخة ، وقد أنذر بذلك أحد حذاق المهندسين وقال : لا يمكن تنشيفها إلا بنفق تحت جبل المنوبية لقرب المسافة الكافية للإنحدار ، فلم يعمل بقوله ولم يحصل المقصود وبقي الأمر على ذلك إلى أن سد الخندق في بعض جهاته بإذن الحكومة في وزارة خير الدين لرفع الضرر عن الطريق وعن الأراضي المشار إلى جميعها ، كما شرع في عمل طريق صناعي بين تونس وحلق الوادي فعمل فيه من جهة حلق الوادي نحو أربعة أميال ومن جهة تونس نحو خمسة أميال ثم ترك ، فأما الذي من جهة حلق الوادي فأبطلته جمعية طريق الحديد ، وأما الذي من جهة تونس فلم يزل منتفعا به لكنه محتاج الآن إلى التدارك بالإصلاح لأنه ضروري في وقت الشتاء ، حيث أن الأرض التي يمرّ عليها المسماة بالخضراء صعبة المرور لكثرة الوحل.
ولما ولي محمد باشا وأقرّ الوزير المذكور بمعاضدة الوزير إسماعيل السني حصل الإغراء للوالي علي محمد المرابط أمير أمراء عساكر القيروان وصهر أحمد باشا وعلي صالح شيبوب أمير لواء عساكر غار الملح وغيرهما من خاصة أحمد باشا من أبناء البلاد ، فنزعت رتبهم واستؤصلت جميع أموالهم وسمع الثقات من وزراء أحمد باشا الحاضرين مواطن الإغراء شدّة انفعالهم من ذلك ، ولما وقع استقراره بالوزارة عند محمد باشا بواسطة ما تقدّم أراد أن يبرهن على صدق ما وسمه به الوزير إسماعيل السني من الصدق والنجابة
__________________
(١) هو محرز بن خلف بن رزين البكري من نسل أبي بكر الصديق. (٣٤٠ ـ ٤١٣ ه). مؤدب تونسي زاهد. كان سلفيا. توفي في تونس. الأعلام ٥ / ٢٨٤.