بمكتوبكم لمسيو أوود المؤرخ في (١٨) أغسطس ولسنا نناظر عن مدة توقيف القوانين.
وقد حصل لي سرور لما حقق لي جنابكم بأنه لا يقع في المستقبل مثل هذه الأمور الموجعة التي وقعت ، وأعيد القول لجنابكم أني لا أتداخل في البحث عن جرم الجناية التي يمكن أن الشخصين المذكورين ارتكباها لأن إنسانية جنابكم التي كثير من أدلتها كافل لي بأن جنابكم كان متحققا بأنهما قتلا على حق ومع هذا التحقق كنا نود أن كيفية الحكم تكون على الصورة التي تقتضيها القوانين دفعا لما عسى أن يتهمكم به أعداؤكم ، فإن جنايتهما لم تثبت ولا يوجد شك في مساعدة أن القوانين هي أقوى الضمانات التي تستند إليها الملوك كأفراد الناس ، وقد رأينا في كل وقت أن كل من بعد عنها ليستعمل القوة المادية في تصرفه يكون سببا لأعدائه في أن يفعلوا معه كذلك مقتفين آثاره ، وأرغب من فضلكم المسامحة في هذه الملحوظات فإنها لم تقصد الأمور والأحوال التي فاتت لسوء البخت ، ولا يتيسر لأحد إصلاحها ، وإنما المقصود بها الطلب من فضل جنابكم أن تتذكروا أن بلادكم لم تبعد كثيرا عن أوروبا ، وأنها إذا لم تتقدم مع تقدم العصر فإن قواعد التمدن المتداخلة في كل مكان تعمها ولا يتيسر التصرف الآن كما كان في زمن الجدود ، لأن كل عصر له أحكامه وأحكام هذا العصر لا تقتضي أن الحكم الذي سيقع على الأسرى الذين لم يزالوا في العسكر أن الأمير يتصرف فيهم بما عنده من القدرة ، ويرى أن الحق له في التأمل بذاته في نازلة شخصية بل يلزم توفية حق المتهمين لدى مجلس وأنه يسمع مقالهم ويخاصمون على أنفسهم ويبرؤون أنفسهم من التهمة الموجهة عليهم ، فإذا أثبتت جنايتهم فالقانون يحكم وبهذه الكيفية تستحفظون على همتكم ولا تأخذون من القانون إلا الرفيع العالي في حق الملك وهو العفو عن المحكوم عليه» انتهى.
ثم جمع الوالي جميع رجال الحكومة وأخبرهم وأبلى في ذلك اليوم الوزير خير الدين البلاء الحسن بقوله القرائن التي ذكرت لا تثير لوثا فضلا عن القتل ، ثم على فرض صحة التهمة فبعد إيقافهما كان الواجب إقامة الدعوى عليهما وسماع جوابهما عليها إلى غير ذلك من الأعمال الواجبة ، وغاية الحجة في قتل الشهيدين هي التهمة بإعانة أخ الوالي محمد العادل باي على الهروب مع أنه لم يذكر في معرض الإحسان معه إلا رشيدا ولم يعرج على إسماعيل بشيء ، ورشيد نفسه لم يسمع الدعوى ولا قامت عليه حجة وأدمج في أثر ذلك نفي جميع من تقدم ذكره ، وكان في أثناء ذلك الوزير حسين خارج المملكة لما توقع من عظم كربها بعد تسليمه في جميع وظائفه فنجا مما لحق غيره ، ولحق به الوزير رستم فلم يبق من يعترض على التصرفات من رجال الحكومة.
وأما أهالي بقية القطر فقد أحيى فيهم ما دثر خبره ونسي ذكره من تسليط الحزب الحسيني على الحزب الباشي إلى أن خضدت شوكته ولصق بالأرض ، ثم كر على هذا الحزب أيضا ولحق بصاحبه فعاثت أيدي الأول بأهل الساحل وقتلوا النساء والصبيان مع