معسكر الوزير أحمد زروق الموصي بالنكال وأحدث فيهم ما تقشعر من سماعه الجلود من قتل أربعة من رؤوس الساحل حكما هناك ، ولما أتى أهل المجلس الشرعي بالمستير لرئيس المعسكر أحمد زروق قابلهم بعسف وأحكم الأغلال والقيود في أعناقهم وأرجلهم وأمر بإزالة عمامة رئيس المفتين بلفظ مستهجن ، وعامل وفد صفاقس بما يقرب من ذلك وسجن القاضي وحكم أيدي النهب في الجميع ، وقد رأيت بخط الوزير الكاتب لأسرار الولاية في معرض ما حصل من أحمد زروق ما نصه:
وبالجملة فجميع ما ينسب في هذه الوجهة لأحمد زروق إنما هي نسبة تنفيذ لأنه مقيد التصرف بما يرد إليه في الأمر في كل نازلة الخ ، مما يصدق نسبة ما ذكرناه إلى صاحب التصرف وإن كان أحمد زروق تفاخر بما صنع حتى رآه بعض رجال الحكومة الكبار داخلا إلى جامع الزيتونة وهو لابس لنعله ، وقد جرى العمل باحترام الجوامع بعدم دخولها بالنعال فقال له في ذلك ، فأجابه بمرأى من الناس ومسمع بقوله : لولاي لربطت في هذا الجامع خيل أهل الساحل ، مع أن أهل الساحل معلوم إسلامهم وعلى فرض منعه المسجد من ذلك لا يسوغ له ذلك جواز إهانته ، وهذا الرجل أعني أحمد زروق لم يزل مقربا عند الوزير خزنه دار إلى أن انفصل عن التصرف ، ومن تصرفاته في تلك الوجهة أنه فلس الشيخ محمد الصويلح رئيس الفتوى بالإعراض وغرم أهالي تلك الجهات أموالا كثيرة أفنت الطارف والتالد وبقوا في قيد ديونها المثقلة للأجانب إلى هذا الوقت بحيث يصح أن يقال أن جميع ما يمكن أن يباع قد بيع وما لا يباع كالأوقاف وجميع ما تحصل من كسب أبدان أهل الساحل كله دفع للأجانب بسبب ديونهم ، ولو أفردت نازلة الساحل وحدها بتأليف لجاء مستكملا زيادة على القتل والسجن مع الأعمال الشاقة وضرب السياط الموجع أو القاتل ، حتى أن الوزير خزنه دار المذكور لما رأى خروج الضرب عن حده في السيد الشريف علي ابن عمر من أهل مساكن مع من أتى معه إلى محل حكم الوالي أظهر الشفقة وأرسل إلى الأعوان وقال لهم : إن سيدنا أمر بضرب هؤلاء لا بقتلهم فإن للقتل آلات تخصه ، وإنما أسند الأمر للوالي لأن ذلك هو دأبه كما تقدم من عدم مكافحته لأحد بما يوجع ويسند جميع الأعمال للولاة ، وأما جهات القطر الآخر التي سافر إليها المعسكر تحت أمر الوزير رستم فلم يقع بها من المضرات ما وقع بالأولى لأنه اقتصر على مجرد قود الطاعة واستخلاص المال الممكن للأهالي وعمل بالمثل القائل : «ولي أذن عن الفحشاء صماء عن الأوامر التي ترد عليه في سلب اللحم والعظم» ومن ذلك التاريخ حصل تغير الوزير خزنه دار عليه لما ذكر مع تعرضاته لتصرفات العمال على غير الوجه المعقول ، وكذلك المعسكر الذي سافر تحت أمرة ولي عهد الولاية أمير الأمحال أبي الحسن علي باي فقد اقتصر فيه على مثل ما ذكر واستعطف أخاه في العفو عن كثير من رؤساء تلك الجهات ، وأنكرت عليه تلك السيرة ممن يريد الخراب حتى أرسل معه إبراهيم بن عباس الرياحي قائد دريد وأمر أمير الأمحال باتباع إشارته وتنفيذ أمره لكي لا يجد الأمير سبيلا للإعتذار عن الناس مع ما