هم فيه من الفقر ، وضاق الخناق بسبب ذلك بين جذب ودفع لما في طبع هذا الأمير من النفرة عن تلك السيرة وكان ذلك سببا للوشاية به لأخيه واتهم مستشاره المقرب محمد الطاهر الزاوش بأذية الأهالي ، ونسب إليه بعض ما صدر من إبراهيم بن عباس المذكور ، والحال أني رأيت بخط كاتب أسرارهم الوزير أحمد بن أبي الضياف المذكور في وصف المستشار المشار إليه ما نصه :
«واعتمده باي المحلة في الوساطة بينه وبين الناس وحمدت بذلك سيرته الخ» ، وذلك هو المعروف عند السكان في الثناء على أعمال المستشار ، وتوصل الوزير خزنه دار بما تقدم إلى إبطال سفر الأمير المذكور بالمعسكر على عادة أسلافهم واستعوض عن ذلك بسفر أحمد زروق المذكور ، ثم أن ما وقعه كل من الأمير علي باي والوزير رستم قد خرقته أيدي العمال والبعوث التي وجهها الوزير خزنه دار ، وأتى بأعيان من قبائل الجهات الغربية والشمالية يبلغون نحو المائتين وأغلبهم كان في خدمة الطاعة وأبلوا في قود الأهالي وإرجاعهم للسكون البلاء الحسن ، ولا ذنب لهم إلا كسبهم ، وأوقفوا في صحن البرج من قصر الحكومة بباردو وخرج لهم الوالي وخاطبهم بأنه لو لا شفاعة الوزير لأمر بقتلهم ، وليته لم يشفع لأنه أي القتل أهون الموتتين ، ثم حكم عليهم بالجلد بالعصا. ورأيت بخط الوزير الكاتب المذكور في قصة هؤلاء الرهط الذين منهم الشيخ الهرم المنسوب إلى الصلاح الحاج مبارك صاحب زاوية تاله ما نصه :
«فتقدمت مردة العذاب إلى ما كرم الله من أبدان بني آدم يكبون الواحد على وجهه ويسحبونه على الأرض موثوق اليدين والرجلين ، ودام الضرب في أولئك المساكين يومين أو ثلاثة بمرأى ومسمع ، وفي خلال أيام الضرب قدم ابن ملكة الإنكليز سائحا فلم يقع الضرب يوم قدومه خشية وقوع الشفاعة منه عند مشاهدته تلك الحالة اللظيعة الشنعاء ، ولما تم الضرب بإعداده وإتقانه سجنوا بسلاسلهم وأغلالهم ومات منهم بسبب الضرب الذي لا تتحمله القوى الحيوانية علي بن عباس شيخ تاله وخرجت روحه قبل كمال عدد الضرب فكملوا العدد بضرب شلوه وهو ميت ، ومات بعد الضرب الحاج مبارك شيخ الطريقة بتاله المار ذكره ولم يسمع منه حالة الضرب إلا قوله يا ربي يا ربي إلى أن أغمى عليه ، والحاج صالح بن التليلي من بيوت الفراشيش وغيرهم ، وعدد من مات بالضرب في أقل من عشرة أيام ستة عشر رجلا». ا ه كلامه باختصار. وسجنت خلائق مع الأعمال الشاقة ومنهم علي ابن غذاهم بعد تأكيد الأمان إليه وقدومه مع ابن القطب الصالح سيدي أحمد التجاني رضياللهعنه وبقي في حبس مظلم ندي إلى أن مات ، وكذلك كثير ممن سجن ولا يمكن إحصاؤهم وفشا الخبر في الآفاق واستفظعه من سمعه ، حتى أن نابليون الثالث إمبراطور الفرانسيس أثر رجوعه من الجزائر لثورة وقعت فيها ومهدها بلطف وتحبب للأهالي بسعيه بنفسه ، وكان ذلك في أثناء الهرج بتونس خطب عند رجوعه وذكر أسباب ثورتهم من جهلهم بما يراد منهم وعدم سلوك الطريقة المناسبة لوصولهم ، وأثنى على عساكره ثم قال وبعد الحرب وإطفاء