النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللهِ شَدِيدٌ) [الحج : ٢] إلى غير ذلك من زفرات تتصعد ، وجمرات تتوقد ، وأنين بقوارع الطريق ، وصياح على الأبواب ونعيق ، وضجيج بالأسواق ، حتى تخالها قد التفت الساق بالساق ، فلا تسأل عن القلوب ، وما دهاها من الخطوب ، وقد فوضنا الأمر إلى علام الغيوب. اه.
ومع تلك الحالة في الأهالي فغاية ما رحمهم به الوالي من الخزنة خمس عشرة ألف ريال وله العذر لأنه كثيرا ما باتت أتباعه ، بل قيل عائلته طاوية إلى بعد نصف الليل حتى يرسل وزيره أحد أعوانه إلى حميدة بن عياد المكلف بمعمل الخبز ، ليستقرض ما يمكن أن تتعشى به عائلة الوالي والوزير غاية ما تكرم به على أولئك المساكين سبعة آلاف ريال ، وإن كان سيدي حسن الشريف ألح عليه في إعانة المصابين مرارا ، فيعطيه من خزنة الحكومة ، كما أنه في هاته الشدة أبلى البلاء الحسن كثير من الأهالي والأجانب سرا وعلنا ، وقاموا بكثيرين قوتا وكسوة وسكنا ودواء وأطباء جزى الله الجميع بفضله ، وفي أثناء المدة هرب العادل باي أخو الوالي إلى جبل باجه حيث كان أهله إذ ذاك ثائرين بعد أن نسي مثل ذلك في البيت الحسيني منذ نحو مائة سنة ، وسبب ثورته الضيق الحالي الذي حصل له من تعطيل مرتبه ومثله سائر آل بيته ، وإذ ذاك اضطروا لإعادة سفر ولي العهد بالمعسكر فأرجع أخاه وقاد الطاعة ثم أعيد ترك سفره ، هذا وبينما كان القطر على هذا الحال فالأموال المستخلصة لم تكف وجعلت الحكومة تستقرض من أوروبا قرضا بعد قرض فأول استقراض كان خمسة وثلاثين مليونا لاستهلاك الدين السابق الذي قدره تسعة عشر مليونا ، ولم يزل باقيه لم يستخلص إلى أن تشكل الكومسيون الآتي بيانه.
وهكذا كل قرض يدعى فيه مثل ذلك ويبقى الأصل على ما كان واشترى من تلك الديون بواخر حربية بأضعاف قيمتها بلغت أكثر من سبعة سفن منها فرقاطه سميت بالصادقية أصلها كرويت فزيدت فيه طبقة وصار شكلا مضحكا لأرباب ذلك الفن ، وقد شاع عند الخاصة والعامة أن القصد من شراء تلك السفن وغيرها مقاسمة الأرباح من الوزير مع أصحابها ثم بما يستفاد من القرض وقد بيع بعض ذلك الأسطول بثمن مؤجل واكترى بعضه بإصلاحه وذلك عند عجز الحكومة عن القيام به بعد شرائه بنحو أربع سنين فأفلس المشتري والمكتري وذهبت السفن وثمنها المتجاوز خمسة عشر مليونا فرنكا سدى ، مع أن أصل شرائها لا حاجة إليه سوى تحصيل الربح من ثمنها والربح من الإستقراض لدفع الثمن ، وشاهد مما وقع في شراء مائة مدفع مسدسة بمليون فرنك فلما أري السمسار صك الإتفاق الرسمي للبائع الذي باع تلك المدافع بثلاثمائة ألف فرنك تعجب البائع من فحش التباين بين الثمنين فأجابه السمسار بأن وزير تونس أراد أن يربح خمسمائة ألف في هذا البيع وأنا لا نقدر على منعه ولست مكلفا بمصالح حكومة تونس فربحت أنا أيضا ما زاد على ذلك ، هكذا فشا الخبر.
ولما قدم ضابط فرنساوي باستدعاء للتأمل في سلامة تلك المدافع قومها بدون المائتين ألف فرنك لأنها غير سليمة وبقيت ملقاة على الأرض بلا فائدة ، وبأمثال ذلك ربح