السماسرة في الإستقراضات وفي الشراء ما صاروا به أغنياء ، حتى أن أحد أهالي الشام المسمى برشيد الدحداح الذي انتقل إلى فرنسا وصار فرنساويا توسط بوسائل لأن يخدم في حكومة تونس راضيا بمرتب قدره ثلاثة آلاف وخمسمائة فرنك أي ستة آلاف ريال في السنة قد رجع إلى باريس بعد ثلاث سنين أو أقل وبنى بها قصرا بهيا شامخا ورأيته في أعز حارات البلدة ، وهي قرب شانزي لزي وأخبرني أحد الثقات هناك أن تجارة الرجل التي يخوض فيها بكسبه الخاص نحو خمسة ملايين فرنك ، حتى تصدق على إحدى معابد النصارى بستين [ألف فرنك] كل ذلك من تعاطيه السمسرة للوزير المذكور ، ومثل ذلك القائد نسيم المار ذكره مع زيادة ربح ما يسقطه الطالبون من الحكومة لأنه يسوف أصحاب المرتبات وغيرهم ممن يطلب المال ، حتى يسقط له مقدارا مما يطلبه ويصحح في الحجة أنه قبضها كاملة ، وتفاقم الأمر أواخر المدة إلى أن بلغ الإسقاط أحيانا إلى ثلاثة أرباع المطلوب والوزير لا يقبل فيه الشكاية ولما خشي القائد نسيم في أثناء الثورة العامة على نفسه سرحه الوزير إلى أوروبا من غير أن تعمل معه الحكومة حسابا ، ومات في بلد قرنه من إيطاليا وأرادت الحكومة التونسية بواسطة الكومسيون الآتي ذكره فصل مطالبها من ورثة المذكور بالتراضي من غير خصام وجنحوا هم أيضا إلى ذلك ، وبينما العمل جار في ذلك فإذا بالوزير خزنه دار جلب أعيان الورثة إلى بستانه وهم مومو شمامه وناتان شمامه ويوسف شمامه وعرض على كل منهم كتابين :
أحدهما : يتضمن إعطاء خمسة في المائة للوزير خزنه دار مما يصح لهم من الإرث.
والثاني : يتضمن إبراء عاما للوزير المذكور مما عساه أن يطلب من جهة نسيم فامتنعوا من الإمضاء على ذلك وتخلصوا بطلب مهلة للتروي.
وهرب مومو إلى قنسلات فرنسا ويوسف وناتان إلى قنسلات إيطاليا ، وأرسلت الحكومة محمد البكوش مستشار الخارجية والمترجم الأول بها كونتي والقابض لياه شمامه إلى سؤال المذكورين عن سبب هروبهم فأجابوا بما ذكر من مطلب الوزير خزنه دار وكان ذلك بمحضر من القناسل وكتب التقارير في ذلك موجودة بالوزارة والقنسلاتوا ولذلك سافر الورثة قبل فصل النازلة ، ووجهت الحكومة لتحرير الحساب والخصام معهم الوزير حسين ودامت الخصومة نحو تسع سنين ولا زالت إلى الآن منشورة ، ولما تفاقمت الديون في أوروبا وعلموا أن الفائض يستقرض أضعافه كل مرة لأجل خلاصه امتنعوا من الأقراض ، حتى جعلت رسل الوزير يرددون كل باب لذلك ولم يحصلوا على شيء حتى أن الياس مصلى المستشار الثاني بوزارة الخارجية ذهب لمثل ذلك وأخذ لمصاريفه تذاكر وسندات على المالية بإسم الحامل وطفق يبيع منها المائة بخمسة فرنكات ، وترتب على الحكومة بذلك أزيد من المليونين فرنكا لاجتناب أصحاب الأموال من ضياع أموالهم ، فلذاك عدل الوزير إلى الإقتراض من الأجانب المقيمين بالحاضرة على أخذ كل منهم رهنا في يده يتصرف فيه من مداخيل الحكومة وهي المسماة باستقراض الكونفرسيونات ، واستعان في