النعمة فكاد أن يبطل أهم فروع متاجر المملكة مع الأقطار الأجنبية ، فكان من الأكيد إزالة هذه العوائق بتيسير اشتغال الفلاحة والمعاملات ، وقد عرض فيما سبق قسم النظر على جنابكم صورة إحداث طريق اعتيادي بين الحاضرة والوطن المذكور حرصا على حصول الثمرات الأكيدة ، فلما وقع الآن ما نؤمل به إتمام هذه المصلحة بما لا يثقل مالية الدول مع استيفاء الشروط الواجب اعتبارها في مثل هذه المشروعات ، صار فرضا علينا نظرا إلى مصالح البلاد التي هي لا محالة مصالح أهل المملكة والأوروباويين المستوطنين بها على اختلاف أجناسهم ، كما هي مصالح أرباب الدين أن نهنىء جنابكم بإتمام هذا المقصد المبارك ولم يبق لمحبيكم إلا أن يؤملوا المتاجرة فيه في أقرب وقت ، بحيث تستكمل به رغبة الأهالي فيرون إن شاء الله اتساع نطاق التعامل ونمو أسباب العمران في تلك الجهات ، ويفتح ما بقي مرتجا إلى الآن من أبواب الفلاح وموارد الثروة وهذا أول ما ترتبط به فيما بعد سائر جهات المملكة من الطرق السهلة السريعة ، فلا حاجة حينئذ إلا للمداومة ومساعدة الوقت لتجديد شباب المملكة وفلاحتها والصناعة والمالية بها فيتم بذلك ما لم يزل جنابكم ساعيا فيه حق السعي منذ ثلاث سنين من تعمير هذا القطر ، والكتب من معظمي السيادة أعضاء قسم النظر من الكومسيون المالي في ٢٠ مايه المسيحي سنة ١٨٧٦ ، وصحح من الأعضاء الإنكليزيين والطليانيين والفرنساويين ، فلو كان في تلك الطريق ما يخل بالسياسة لما صحح الإنكليزيون والطليانيون لأن ذلك مباين لسياستهم ، ولو فرضنا جهلهم بها لنبههم أهل سياستهم لكي يكون لهم مستندا يوما ما ، بل إن أهل سياستهم لم يتعرض منهم أحد رسميا لذلك على أن توهم الإستيلاء الحسي بمجرد الطريق المذكورة من الفرنسيس ليس هو إلا وهم ، لأن قوة فرنسا ومنعها من الإستيلاء على تونس ليس هو لتوقفها على صعوبة الطريق فإن بين مرسى عنابه ومرسى حلق الوادي مسير إثني عشر ساعة فقط بالبواخر في البحر ، بل أن مرسى ابن زرت لا تبعد عليها أكثر من ثمان ساعات ، وسفن فرنسا التي توصلت بها من فرنسا إلى الجزائر بل ومن فرنسا إلى سانيفال بأفريقية الغربية وإلى كنبوديا بالهند الشرقية لا يصعب عليها قطع تلك الساعات.
تنبيه : قد أيد هذا الرأي ما حصل بالفعل في خارج القطر من هجوم عساكر فرنسا برا وبحرا على القطر سنة ٩٨ ولم تركب ولا فرقة منهم طريق الحديد المذكورة مع وصولها إلى حدود الجزائر ، وأما الإستيلاء المعنوي فإن كان المراد منه زيادة النفوذ وزيادة المتجر فسيأتي عليه الكلام في المطلب الثامن إن شاء الله. وإن كان بالمعنى الذي مر نقله عن أحد الإنكليزيين وبقاء مراسي القطر خالية؟ فهو مدفوع بأن السلع التي تؤدي عند دخولها إلى فرنسا تصير تؤدي ذلك في حدود الجزائر ، وغاية الأمر أن يتبدل الطريق ومحل الأداء ، وأما ذات الأداء فهو واحد وبه يتحد ثمن البضائع سواء شرحنت من هاته المراسي أم من هاته ، وقد اجتمعت في موطن مع الوزير خير الدين بعد الاتفاق المذكور وشيوع ذلك الاعتراض بما تقدم ذكره فذاكرني في دفعه بما يقرب مما شرحناه ، وزاد في الجواب وهو متبسم بأن