قال : إن الاعتراض بأن مآل ذلك الطريق هو إخلاء مراسي القطر التونسي وانحصار الشحن في مراسي الجزائر الخ. هو مما لا يقوله إلا جاهل أو متجاهل بما ينشأ عن الطرق الحديدية من العمران وسهولة المواصلة مما يكفي في البرهان عليه الوجود الخارجي في الممالك الحاوية لتلك الطرق والخالية عنها ، فإن ازدياد عمران الأولى وتوفر مكاسبها ، وعكس ذلك في الثانية مما يفنى فيه العيان عن البيان ، فأما المتجاهل فالكلام معه ضرب في العبث وأما الجاهل فجوابنا له أن المضرة من نقل البضائع بطريق الحديد إلى الجزائر على ما قالوا لا يخلو إما أن تحصل للأهالي أو للحكومة ، فإن قلنا أنها للأهالي بالنظر إليهم فرادى ، فالجواب أن الأفراد مدار نفعهم على زيادة أسعار بضائعهم بقطع النظر عن المحل المشحون منه ، وذلك لا يحصل إلا بتسهيل النقل المنحصر في طريق الحديد نعم إذا خشي من خروج النتائج الغلاء في البلاد فللحكومة منع الإخراج من أي طريق كان سواء كان من مراسيها أو من الحدود البرية ، وإن قلنا أن المضرة تحصل للأهالي بالنظر لمجموعهم من حيث نفع الوطن فهو يرجع حينئذ إلى منع الحكومة ، فيكون الجواب شاملا لكليهما معا وهو : أن مضرة الحكومة مندفعة بما تقدم شرحه من أخذها أداء الشحن إلى خارج القطر سواء خرجت النتائج من المراسي أم من الحدود البرية على السواء ، بل نقول : إن بالطريق الحديدية يحصل النفع ودفع الضرر في خصوص الأداء المذكور بخلاف وقت انعدام الطريق ، وبيانه أن الحدود ما بين تونس والجزائر ممتدة على جميع طول الحد الغربي للقطر التونسي المتجاوز أربعمائة ميل ، وأغلب سكانه أعراب رحالة يتكسبون بما يحملونه على ظهور إبلهم ، فإذا وجدوا أثمان النتائج أغلا في الجزائر لدخولها إلى فرنسا بدون أداء ، لا شك أنهم ينقلون نتائجهم إلى المحل الذي تسوى فيه أكثر من غيره كما هو واقع ، ويتحملون غلو الكراء بالحمل على الإبل لأجل ذلك ؛ فإذا جعلت الحكومة مراكز لأخذ الأداء عند الإخراج من الحدود لا يخلو الحال إما أن تجعل المراكز على طول خط الحدود ، أو تجعلها في أماكن مخصوصة هي أكثر مرورا وعمرانا من غيرها.
فأما الأول : فهو ممتنع لكثرة ما يلزمه من الحراس الذين لا يوفي بمؤنتهم مدخول ذلك الأداء.
وأما الثاني : فلا يحصل منه المقصود لأنه لما كانت جهات الحدود كلها سواء فصاحب النتائج يتحمل مسير نصف يوم زائد على جهة مركز الحراسة ، ويخرج نتائجه بدون أداء شيء ، فتلخص من ذلك :
إن النتائج تخرج إلى الجزائر دون أداء للحكومة التونسية بخلاف ما إذا وجد طريق الحديد ، فإن رخص الحمل فيه يعادل أضعاف الأداء على النتائج للحكومة ، فالأهالي تعدل عن الحمل على ظهور الإبل لغلوها وتؤدي أداء الحكومة في مركز الطريق الحديدية ولا يضرهم ذلك لأنهم يربحون ما توفر لهم من الكراء مع قرب المسافة وقصر الوقت ،