والحكومة يمكن لها ضبط مركز الأداء بجعل حراس عليه لأنه متحد ، وبعد هذا كله إذا فرضنا توجه الإعتراض وصحته لماذا يحمل علينا وحدنا ، والحال أن المنحة إنما أعطيت بمشاركة جميع الوزراء والمستشارين ممن تقدم بيانهم ، فإذا تشارك جماعة في رأي فلماذا يحمل منكره على واحد منهم فقط لمجرد مباشرة تنفيذ ما استقر عليه رأي الجميع هذا كلامه ، على أن هذا كله مفروض عند وصل الطريق وقد علمنا اشتراط عدم وصله لمجرد الأسباب السياسية التي يأتي بيانها لا لما تقدم ذكره ، فلا يتأتى الإعتراض إلا عند ذلك وسيأتي لهذا مزيد بيان في موضعه إن شاء الله تعالى.
كما وقع الإعتراض على هذا الوزير في كون الفائض جعل للدين أكثر من القسط الذي عينت مداخيله لذلك ، حتى لزم الحكومة إكمال الفائض في بعض السنين من دخلها والإستقراض في بعض السنين برهن مدبغة الجلد للإيفاء بالفائض أيضا ، ومن المعلوم أن خلاص الدين بالدين يؤدي إلى تفاقمه ، وأجيب عن هذا الإعتراض بما تقدم شرحه في كيفية الوجه الذي أعمل في الديون ، فقد علمت أن الفائض قد حط من عشرين مليونا فرنكا إلى ستة ملايين ونصف بمشاركة نواب الدائنين ثم تأسيس ذلك المقدار على معدل الميزانية التي أرسلت من الوزارة السابقة التي وقع فيها الغلط في تقدير فصل السرحات كما بيناه هناك ، سيما وقد رأى الكومسيون الوفاء بذلك في بعض السنين ورأى اقتدار الحكومة على الإيفاء في بعضها ، فلا يسلم صاحب المال في ربحه بسهولة إلا بعد تيقنه العجز ، ولا يحصل ذلك إلا بمداخلة قسم النظر من الكومسيون في أحوال ميزانية الحكومة الراجعة لمصاريفها الخاصة ، وربما كان ذلك غير ملائم لسياسة الحكومة لمزيد التضيق عليها والتحجير على تصرفاتها ، فاختير أخف الضررين إلى أن يكشف الواقع على ما هو في الإقتدار حقيقة بطول المدة والتجربة ، وتنقاد وكلاء أصحاب الديون عن بينة.
لكن الوزير خير الدين خرج قبل حصول ذلك كما لام الوزير المذكور أفراد قليلون من المتوظفين على عدم إحيائه للقوانين لكن على أن تكون على غير الكيفية التي سبق بها العمل في تونس بل على وجه يندفع به الإعتراض الذي مر فيها ، بأن تكون موافقة لأحكام الشرع ، والمباشرين للأحكام الشخصية هم نفس الحكام الشرعيين بضبط نفس الأحكام في قول واحد شرعي ، وجعل مجلس شورى لمصالح القطر أعضاؤه من جميع جهات القطر إلى غير ذلك مما يناسب الحال من القوانين لما هو معلوم من ميله إليها كما مر في الكلام على قوانين عهد الأمان ، وحاصل جوابه الذي علمناه منه عند إبلاغ الإعتراض إليه وهو بتونس ، هو أن الدول الإسلامية لا يتيسر ذلك فيها إلا بإرادة الملوك أو الأمراء الذين لهم استقلال في الإدارة ، وقد كان والي تونس أجراها ثم لما أبطلت بالكيفيات التي مر ذكرها ، كان الوالي المذكور أشد النافرين عنها فلا يصفى إلى إنشائها وليس في ذات الأهالي من يرغب فيها بإلحاح في طلبها إلا أفراد قليلون ، كما بان بالكاشف فيما وقع عند إيقافها وكما بان بالإستخبار للأعيان عند إعلان الدولة العلية بالقانون الأساسي ، فلم يبق إلا أحد شيئين :