الدعوى ، إذ أن المدعى به عليه من الياقوت هو من أعلى نوع وهو المصرح به في الحجة ، ثم النوع الذي أرجعه إليهم وقبلوه وأرسلوا له فيه مكاتيب بوصوله من غير إنكار لكونه من نوع ما أعطوه ولا تعريض بذلك ، مع أن ذلك المقدار البليغ يعطى لإنسان من غير بيان ولا حجة ولا دفتر ولا تؤخذ عليه الحجة إلا بعد رجوعه بمدة ، وهو تحت الغصب زيادة عما كان عند انتهائها فإن جميعه يؤيد كلام التاجر ، فإنه بعد أن رفعت النازلة إلى الوزير خير الدين وإرادته تشكيل مجلس للنظر فيها وامتناع الوزير ابن إسماعيل من ذلك حسبما تقدمت الإشارة إليه وبقي التاجر محتميا بالقنسلاتو تصالح معه الوزير بن إسماعيل بمائة ألف فرنك وعشرين ألف فرنك ، وتعجب كل من سمع بالدعوى التي هي نحو ثمانية ملايين كيف يصالح عنها بذلك القدر لو كانت حقا ، والنازلة مقررة في الوزارة وفي القنسلاتو.
ولو نظرنا إلى ما وقع في النازلة من الكلام على ألسنة الناس الذي منه : أن مما قاله علي ابن الزي إلى الوزير ابن إسماعيل : أن التاجر المذكور لما عاد من فرنسا أرجع له مصوغا أو أتاه بمصوغ بقيمة بليغة من المال وأنه اكتشف عن حالة المصوغ بعد الإنفصال بالصلح مع التاجر فإذا هو من البلور المقلد على الياقوت ، فأذنه الوزير ابن إسماعيل ببيعه حيث لم يكن فيه من فائدة ، فأخبره بأنه بيع ببضع آلاف وأدخلها له في حسابه ولما وقعت الواقعة الآتي بيانها مع ابن الزي تبين أن عين ذلك المصوغ لم يزل بخزائنه وأنه من الياقوت حقيقة وأمثال ذلك لطال الكلام في النازلة ، لكن لا داعي لنا في ذكر ما يقال على ألسنة الناس سيما وهو مما يعود إلى ما بين الخادم والمخدوم ، وإنما الداعي إلى ذكر ما تقدم هو بيان كونه سببا في خروج عائلة التاجر المذكور من رعايا تونس وصيرورتها تحت الحماية الإنكليزية ، كما أنها كانت سببا في تمكن النفرة وإظهارها بين الوزير خير الدين والوزير ابن إسماعيل وميل الوالي إلى معاضدة هذا لأنه مكنه من جميع أمواله حتى أن نفقته ونفقة عياله كانت على يده ، وقد نشرت أخبار متواردة في الصحف الخبرية عربية وغيرها فيما تقتحمه العائلة من تباعة ذلك ولم يقع تكذيبه ، وحيث كان من الخصوصيات فلا نجلبه هنا أيضا ، وإنما أشرنا إليه لتعلم خلاصة التصرفات المالية ، وبما تقدم وغيره حصلت الإشاعات التي أشرنا إليها في أسباب استعفاء الوزير خير الدين وقرائن الحال دلت على أنه كان القصد توجيه الوزارة إلى الوزير مصطفى بن إسماعيل ، غير أن معرفة حال المتوظفين والأهالي في التسليم لذلك كانت مجهولة فقدم للوزارة الوزير محمد وقدم إلى استشارة القسم الثاني من الوزارة الوزير مصطفى بن إسماعيل ، لكي يباشر العمال والأهالي في شكاياتهم ويتأنس بمباشرة التصرفات العامة ، فكان لا يتعرض لتصرفات الحاضرين من اتباع الحكومة عند ورود الدعوى إلا أن تكون نازلة له بها خبرة بواسطة أحد علائقه وتقررت له من قبل قدومها إلى الوزارة فحينئذ يأذن فيها بما كان وقع عليه الإنفصال ، وحصلت في أثناء هاته المدة الرشوة التي كادت تتناسى سيما في توظيف العمال ولم يقتدر الوزير محمد على دفاعها غير أنها لم تتفاحش إذ ذاك ، كما ولي الوزير مصطفى بن إسماعيل عاملا على الساحل لاستعفاء