الوزير في أمان ويجاب لجميع المطالب على أن يعزل الكاتب الذي توجه في النازلة وهو الحاذق الفطن المتفنن دابيد سنطليانه الذي على صغر سنه كان يحسن سبع لغات ، ومطلع على السياسة ونصوح لتونس كأعز النصحاء ووفى بجميع لوازم وظيفته ، ويقال إن سبب الرضاء بعزله هو شخصيات نفسانية ، فأرسل الكاتب استعفاءه قبل العزل ، وقبل وقوع الرضا الشفاهي بأن يكون ذلك نهاية المسؤولية التي هي إحدى المطالب ، ووقعت الإجابة إلى المطالب من الوالي بعد أن كتب تلغرافا إلى وزير خارجية فرنسا بأنه يريد أن يرسل له رسولا خاصا ليشرح له النازلة ، فأجيب بواسطة القنسل : بأن لا فائدة والحالة هاته في ذلك ، وأن القنسل معتمد من قبل دولته ، فأجاب الوالي حينئذ بالقبول ونزل الوزير ابن إسماعيل إلى القنسلاتو باللباس الرسمي ترضية عن الواقعة ، ثم عقد مجلس يرأسه موسيو فولون أحد أعيان الحكام الفرنساويين وكان رئيس مجلس التحقيق بالجزائر وهو رجل منصف عفيف ، وأعضاء المجلس إثنان تونسيان واثنان فرنساويان ، وبعد التروي في مجرد دعاوى دي صانسي هل هي واقعة أم لا عدا دعوى التعطيل بالحرب ، استقر الرأي على أن مقدار الأرض بالقيس الهندسي الذي لم يجر بكيفيته العمل في تونس هو ناقص ، وأن صفتها مطابقة للشروط ، وأن الإعفاء لم يقع لأن شروطه لم نقع ، وأن حماية الحقوق موفاة من جهة الحكومة ، ثم بقيت الأرض بيد دي صانسي إلى الآن ، وعند قبول الشروط كوفىء أمير اللواء إلياس بولايته مستشارا ثانيا بالوزارة الخارجية.
ومما حصل أيضا أنه ورد على تونس أحد الفرنساويين وطلب إنشاء مرسى أمنية للسفن على شاطىء قرطاجنة قرب حلق الوادي وألح على ذلك ، وتخوف من منعه فأعطي خمسة وعشرين ألف فرنك لكي لا يتشدد ، وأعطى إلى أمير اللواء إلياس عشرة آلاف ريال لتوسطه عنده بأن يرضى ولا تعطى المرسى ، وكذب في الصحيفة الرسمية أن كون إعطاء المال كان بسبب طلب قنسل فرنسا.
ومنها : جعل موكب لإحراق تذاكر الكبون أي الفائض الذي استخلص من مبدأ الكومسيون إلى ذلك الوقت ، وجازى الوالي الوزير ابن إسماعيل على ذلك الإحراق بالسيف المرصع الذي أنعم به من طرف الخلافة.
ومنها : أن أحد العمال من أشراف مساكن ولي على قبيلة المثاليث فادعى عليه بأنه أخذ منهم زائدا عن موظفات الحكومة نيفا ومائتي ألف ريال ولم يحرر الحساب على مقتضى الإنصاف المطلوب ، فطلب تحرير الحساب بمحضر أعيان من ثقات الحكومة فلم يجب وقبض به إثنان من أعوان الوزير ومنعوه من الخروج من داره إلى أن تخلص منهم بحيله ورمى بنفسه من إحدى طواقي علوه والتجأ جاريا إلى قنسلاتو إنكلترة فدخل بابها صائحا مستغيثا وأغمي عليه ، ولما أفاق سأله القنسل عن سبب حاله فقرر : أنه عذب بربط يديه وإحراق الحطب في وسط بيته والسكر فيها وصب الخمر أو القاذورة على رأسه ، وغير