وأحجم عن الزيادة عليه سائر الأهالي لما أعلن التابع أن أخذه لها شركة مع الوزير وليست هاته مما يتقدم إليها الأجانب الذين لا يخشونه ، لأنها تحتاج إلى ممارسة الإعراب ولم تسبق لهم عادة باستلزامها.
ومنها : أن قبيلة تسمى بالقوازين من المنتسبين إلى أحد الصالحين وعددهم لا يبلغ إلى الثلاثمائة رجل ، يسكنون في الجهة الجنوبية في حدود الصحراء كانت الحكومة منذ قديم معفية لهم من الأداء لقلتهم وقلة كسبهم ، واستمر الأمر على ذلك إلى سنة ١٢٩٦ ه ، فأريد إلزامهم بالأداء فامتنعوا متعللين بالعادة والحال ، فألح عليهم وتهددوا بالغصب فتحملوا بأداء شيء من المال سنويا على أنهم يوزعونه على أنفسهم من غير أن يتداخل العامل في عددهم ، وتوزيع المال عليهم مثل ما هو جار في بعض القبائل المتوحشين كورغمه ومطماطه وشبههما ، وكان الفرق بين ما يمكن أن تحصل عليه وبين ما أرادوا هم إعطاءه بأنفسهم لا يتجاوز الألفي ريال على ما قرره أحد العارفين بهم ، فامتنع الوزير من مساعفتهم وأذن بغصبهم واستعمل لذلك بعض القبائل الذين لهم معهم عداوة مع بعض العساكر الخيالة الغير المنضمين المعروفين بالجوانب والصبائحية ، فعاثوا فيهم وقتل منهم كثير حتى النساء والأطفال بتمزيق جثثهم رحمهمالله.
ومنها : أن رئيس أطباء الوالي طلب أن يكون بالحاضرة مستشفى على النحو الأروباوي ، فتمم ذلك بمال الأوقاف وانتظم أمره ، وقد وفيت فيه بكل ما تحتاج إليه المرضى وتتم به راحتهم ، حيث كنت أنا المباشر إلى إنشائه. وجعلت فيه قسما منفردا خاصا بالنساء وكل ما يصرف على الداخل من المستشفى يكون من فواضل مال الأوقاف ولا يعطي المريض شيئا ، ولهذا اشترط أن يكون الداخل إليه فقيرا ، كما جعلت به قسما منفردا خاصا بالأغنياء ويقوم المستشفى بجميع لوازمهم على أحسن حال علاجا وسكنا ويعطون عوض ذلك قدرا زهيدا من المال ، وجميع أدوات هذا القسم من الأسرة والخدم والفرش مماثل لحالة بيوت الأغنياء المقتصدين في مصاريفهم ، وفائدة هذا القسم أن كثيرا من أهالي الحاضرة إذا مرض لا يجد من يوفي له بواجبات العلاج للجهل من العائلة مع أنهم يستكثرون أجرة الطبيب فيندفع عنهم ذلك في المستشفى ، وهناك فائدة أكبر من هاته وهي : أن أغلب بلدان القطر خلية عن الأطباء وكثيرا ما يأتي منهم أناس للتداوي بالحاضرة فلا يجدون مأوى سوى منازل المسافرين التي تسمى وكائل وهي غير صالحة لمثل ذلك فتحصل لهؤلاء هاته الثمرة مع الإشتراك في الفائدة المقررة لأهل الحاضرة.
ومنها : أن الوزير ابن إسماعيل استوهب من الوالي الأوقاف التي كان حبسها علي باشا الثاني على الإناث من ذريته فسعى في جعل بينات تشهد بملكيتها في مدة وزارة خير الدين وعطلها إذ ذاك الوزير المذكور ، ثم بعد خروجه تمت الهبة وبقيت الأوقاف عنده بالهبة ، ولما تكاثرت عنده الأراضي المسماة بالهناشير المختلفة كبرا وصغرا باع منها عددا