ثم أن الوالي أرسل لأهل الشريعة يعلمهم بأنه أنشأ مجلسا مؤلفا من عشرة أعضاء تحت رياسة الوزير ابن إسماعيل وأعضاؤهم الوزراء والمستشارون وبعض رؤوساء الإدارة ، ولما بلغ لأهل الشريعة ذلك ، قالوا : ليس قصدنا المتوظفين لأنهم دائما تحت الأمر ولا خبرة لهم بما في أطراف القطر ، وإنما المراد أن يكون المجلس من المتوظفين والعلماء وأعيان من البلاد والعربان ولا أقل أن يكون عددهم ثلاثين عضوا ، وأنهم لا يقصدون إلا مصلحة البلاد لأنهم ليس لهم غرض إلا هناء القطر وهناء الوالي ، وقيل : إن قنسل فرنسا صرح بأنه لا يتعرف بالمجلس وأنه إن أراد الوالي الإستعانة بعساكره لردع الطالبين فهو حاضر له ، حيث أن طريقة الوزير هي التي تبلغه إلى قصده كما ذكرناه في محله ، ثم لما بلغ الوالي جواب العلماء أرسل إليهم بأنه يزيد إثنين من رؤساء المتوظفين وأن هذا المجلس ينظر فيما يقتضيه الحال من الكيفية ويجري العمل به ، وكان في أثناء هاته الأيام دبت السعاية بالترغيب لبعض العلماء والترهيب لهم من تداخل الأجنبي بلا مستند ، فرضي عمدهم بذلك وكان سببا في تمكن الفيض على من زيد حيث انتهى رضاء المقترحين عند ذلك وصرح الوالي بما يشف عن ذلك والله المطلع على السرائر.
ثم جعل هذا المجلس في نفس الأمر إذا اجتمع يعرض عليه ما يريد الوزير والأغلب أن يكون المعروض هو بعض النوازل التي تعرض بقلة ، ولما كان أغلب الأعضاء يسايرون الوزير لم يظهر لوجوده من أثر إذ لا يتداخل في نصب ولا في عزل ولا سيرة عامل أو رشا وشاهد ذلك الخارج ، فإنه لم يمض عليه شهران حتى وردت الرسل على شيخ الإسلام بأن يتشفع في الجاني على الشرح فلم يوافق جهرة بل أظهر زيادة الامتناع ثم سودت سرا بطاقة إلى المنفي ليكتب على نمطها مكتوبا لأهل المجلس الشرعي ، ولما ورد مكتوبه على نحوها كتبوا إلى الوالي مستشفعين بعد أن امتنع بعضهم ، وقيل : عندما سمع بذلك! ليت شعري ما هو وجه كتبهم مع علمهم بالحقائق.
ومنها : أنه شرع الوزير أثر ما تقدم في بناء دار شيخ الإسلام المذكور بتونس وكذلك داره بجبل المنار ، وكثر تردد تابعه الجاني المذكور عليه حتى نشأ عنه قيل وقال يسوء جانب العلم والخطة.
ومنها : أنه اشتكى بعض السكان في مطلب له من تابع الوزير المذكور إلى القاضي ، فلما دعي للجواب امتنع وورد الإذن إلى القاضي الشرعي بأن المذكور لا ترفع نوازله إلا للوزارة فليس له النظر فيها ، وقد علمت سابقا ما هي حالة احترام الشريعة وحكامها.
ومنها : بناء محل للكرنتينة أي الإحتماء للواردين من الأقطار التي يكون بها مرض عام معدي ، وبني ذلك بحسب رغبة الأجانب وحرص رئيس أطباء الوالي وجعل له طبيب خاص ، وكان بناؤه بإحدى المراسي المسماة غار الملح.
ومنها : حصول الهرج في القبائل بالجهة الغربية حتى ادعى قبائل الجزائر التعدي من