فقاسوا عليه اتخاذ ملهى لهم ليلا في رمضان لكي يسهروا ولا يستيقظوا مبكرين فيوقظون والديهم ، إذ عادة الناس في رمضان هي السهر أغلب الليل ومنهم من يستغرق جميع الليل بحيث لا يشتغلون إلا قرب نصف النهار ، وكأن هاته عادة مبنية على العبادة إذ قيام ليالي رمضان بالعبادة مندوب إليه بيد أن الكثير يشتغل بالملاهي كسماع آلات الطرب في القهاوي أو لعب الورق المسمى بالكارطة وهو الكثير ، ولهم منه أنواع شتى أشهرها ما يسمى بالتريسيتي أو لعب النرد أو الدامة أو الشطرنج وهي الألعاب الموجودة في القطر ، ويوجد أيضا لعب المنقلة والخربقة بقلة في الحاضرة وبكثرة في غيرها ، لكن الأعيان إنما يسهرون في رمضان أو غيره بديارهم أو ديار أصدقائهم ، وبعضهم بعد صلاة التراويح يسردون كتابا في السير أو الحديث ثم يتسامرون بالكلام ، وبعضهم يتعاطى أحد الألعاب المذكورة.
وأما في غير رمضان فعموم الناس يبكرون إلى أشغالهم ولا يرجعون إلى ديارهم إلا عند الظهر للفطور ثم يعودون إلى أشغالهم إلى قرب الغروب ، وبعضهم ممن تكون ديارهم بعيدة عن محل أشغالهم يفطرون في حوانيتهم ويوجد في حارات الإفرنج ملاهي على نحو ملاهي أوروبا ، كما يوجد فيها قهاوي كثيرة على نحو قهاوي أوروبا ومنازل للمسافرين مثلها ، ولكن أعيان الأهالي يتحاشون عن الدخول إلى الجميع وإن كانت مخالطتهم مع الأجانب وغيرهم حسنة ، وقد كان لعموم الأهالي ولوع بالفروسية ولهم في مسابقة الخيل مواكب تسمى ملاعب يعقدها كبراء الحكومة أو كبار العمال ، ومن له انتساب إلى الأعراب خارج الحاضرة في إحدى الجهات المتسعة ، ويستدعون إليها الفرسان فيأتون بأحسن الملابس والسروج المزركشة بالذهب والفضة والسلاح مثل ذلك وتارة يلبس الفارس على رأسه شيئا من ريش النعام يسمى عروج ، والأصل فيه تعليم النبي صلىاللهعليهوسلم لسيدنا حمزة في إحدى الغزوات بريش كما في عيون التواريخ (١) ، والحاصل أن لبس الفرسان جميل جدا ولهم براعة في الحركات الحربية ، فترى الفارس في حال السباق يطلق ويعمر مكحلته عدة مرار ، وتارة يطلق أربعة مكاحل كل بجعبتين ثم يطلق قرابينه ثم أربعة طبانجات ثم يخترط سيفه ، وجميع ذلك السلاح محمول عليه ولا يعطل له شيئا من خفة حركاته ، وتراه إذا اخترط السيف يصير بين كروفر ، وبعضهم في حالة السباق يدلي يده إلى الأرض فيحمل منها قبضة من تراب ، وبعضهم يفرش له بمحاذاة ميدان السباق رداء من حرير في نهاية الصفاقة ففي حالة الركض النهائي يمد يده ويرفع طرف الرداء ثم وسطه ثم آخره ، وبعضهم يركض فرسه وبينما هو في حملة السباق وإذا بالفارس يقف على رجليه فوق السرج ويطلق البارود ، ثم يجلس ويلتصق بدير الفرس ثم يلتصق بحزام الفرس ثم يقف على رأسه ويديه فوق السرج ورجلاه إلى فوق وعليهما مكحلة ، ثم يدفع المكحلة ويلتقفها بيده ويجلس ويطلقها ، كل ذلك والحصان في نهاية ركضه وجميع أعماله في بعض دقائق ، وهذا العمل
__________________
(١) كتاب عيون التواريخ لابن شاكر الكتبي المتوفي سنة (٧٦٤) انتهى فيه إلى آخر سنة (٧٦٠ ه). كشف الظنون (١١٨٥).