لدعوته لرهبة أو انخفاض صوته ، فيبلغ باش حانبه للوالي معنى كلام المشتكي ، وهاته الوظيفة لها كبيران : أحدهما من العرب ، والآخر من أبناء الترك ، وللأول تقدم على الثاني ، فالمشتكي إن كان من المالكية يمسكه الأول وهو الذي يتولى الوساطة في أمره ، وإن كان من الحنفية رجع إلى الثاني ، ولكن لهؤلاء هيئة أخرى في إلقاء الشكاية فإن باش حانبه لا يمسكه ويقدمه إلى قريب من الوالي وبعد استقرار باش حانبه بنوعيه أمام الوالي يرفع صوته بقوله : «باش بواب شكاية» أي يا كبير أصحاب الباب أدخل المشتكين فيرفع صوته هذا خارج باب المحل بقوله : يا سعد ، ثم يدخل المشتكون فردا ففردا على حسب الصدفة ، وتقدم المشتكي بالإزدحام وربما صار التقديم بإعطاء شيء من المال لكنه لا يتجاوز عشرة ريالات فما دونها ، وكل مشتك في حال شكايته في ذلك الموكب الهائل زيادة عن باش حانبه المقيض به تكون محدقة به الحوانب والأوظاباشية ، وإذا كانت له حجة مكتوبة قدمها وأخذها من يده باش حانبه ومكنها الباشكاتب ويؤخر إذ ذاك المشتكي ويؤتي بغيره ، وبعد قراءة باشكاتب للحجة يقول مضمونها للوالي مع الإشارة إلى صحتها أو فسادها ، فيأمر الوالي بما يراه وتنفصل بذلك النحو عدة خصومات في نحو ساعة أو ساعتين إذا طال المجلس وربما أنهيت في ساعة واحدة ستون نازلة بلا تعقيب للحكم.
وكثيرا ما يستشير الوالي وزيره سرا في النوازل أو يسأله عما يعلم فيها كما أن الوزير كثيرا ما يشير عليه في بعض النوازل ابتداء وكثيرا ما يأمر الوالي بإرجاع بعض النوازل إلى الشرع أو الوزارة ، وإذا كان هناك بعض من يحكم عليه بالقتل فإنه يؤخر دخوله إلى آخر المجلس والغالب أن يكون هذا النوع إما حكم عليه في مجلس الشريعة ورفع للوالي لينفذ الحكم المكتتب بعد إجراء جميع اللوازم الشرعية وطول مدة المناضلة والمدافعة لدى المجلس الشرعي ، أو يكون قد حررت نازلته في الوزارة وفي النادر أن يؤتى بالمشتكي به من ذلك النوع بديهة للمحكمة ، ويصدر الحكم بقتله في الحين فيخرج في أثر المحكوم عليه بالقتل أحد الشطار أي الجلادين ويقطع رأسه قدام باب باردو أو باب البلدة التي فيها الوالي ، أو يشنق هناك في مشنقة من خشب وهو أن يربط عنقه في حبل وتكتف يداه ويعلق من عنقه فيختنق ، وتارة يعلق كذلك في سور المدينة القديم قرب باب سويقة وعند انتهاء المشتكين أو ملل الوالي يقول يا باش حانبه عافية ، فيرفع صوته بها باش حانبه فيرفع صوته بها باش بواب ويقوم الوالي وينفصل الموطن ، فيجري إذ ذاك باش حانبه ما أمره به الوالي من إرسال الأعوان لجلب المدعى عليهم أو خلاصهم ، وكذلك باشكاتب يحضر المكاتيب التي صدر بها الإذن ولا تحضر إلا من غد فيختمها الوالي على نحو ما سيأتي.
وجميع من حضر في ذلك الموكب من المتوظفين يكون بلباسه الإعتيادي إلا من له رتبة عسكرية ، فإنه يتقلد سيفا في منطقته وقبل دخول الوالي للمحكمة يجلس في بيت أنيق في سراية الحكومة على كرسي أصغر مما سبق ، ويدخل عليه الوزير وحده أو أنه يأتي معه من قصر سكناه ، ثم يجلس الوزير عن يمينه وأهل بيت الوالي عن شماله وقوفا ، ثم يأذن