على بعض أخصائه وخصصها بعدهم لجيوش المسلمين ، ومن هناك قصد المرحوم مدينة باريس لاستشارة حكمائها في أمر صحته ثم سافر إلى لندرة عاصمة الانكليز وهناك قابل جملة من نبلائها وكبار أعيانها كاللورد «سالسبوري» واللورد «نورثبروك» وقد تكلم مع من قدّر الله.
والإهمال أن يكون بيدهم زمام الأحوال المصريّة بما رآه نافعا لبني جلدته وجنسه وحاميا لذمارهم ومشيدا في المستقبل لفخارهم وكان إذ ذاك النفور متمكنا بين نائب الانكليز في مصر وبين رئيس مجلس النظار فيها فكان القوم في حيرة من هذا الأمر خصوصا والمرشحون لمنصب الوزارة في مصر قليلون جدّا والفكر القائم في أذهان بعضهم حينئذ أن رياض باشا مكروه في البلاد مستدلين على ذلك بظهور الثورة فيها مدة وزارته الأولى فبذل المرحوم جهده لصرف هذا الفكر وسعى بقدر استطاعته لما فيه اعلاء شأن المسلمين.
وبعد أن حضر الاحتفال رجع إلى باريس لاتمام المعالجة ثم عاد إلى مصر بعد أن تغيب عنها نحو الخمسة أشهر معرجا في طريقه على برلين وويانه ، وفي الاثناء المذكورة سعى الساعون كثيرا لارجاعه إلى الاستانة وكاتبه بعض أصدقائه في ذلك حسب ما صدرت به الأوامر السلطانيّة فأظهر المرحوم كمال استعداده للرجوع إليها قائلا : «إن بيعة أمير المؤمنين لم تزل في عنقي». وأوقف رجوعه على تسوية أحواله الماليّة ثم يقدم إلى القسطنطينيّة ومع ذلك فلم تكن الأعداء تكف عنه الأذى في غيابه أيضا حتى أنه لما طبع صاحب الترجمة إحدى رسائله المذكورة آنفا المختصة بحقوق الاشراف ، دس أرباب الدسائس له في دار الخلافة ما أوجب المخابرة مع الحكومة المصريّة بشأن موضوع تلك الرسالة إذ قيل إنه تعرض فيها لمسألة الخلافة وهو أمر لم يخطر له على بال ومن العبث أن يفتكر فيه عاقل ، وحاشا لمثل الشيخ بيرم وقد وصل لما وصل إليه من التعب المادي والمعنوي غيرة منه على بني جنسه وملته أن يتصور حدوث زيادة الشقاق بينهم وزرع بذور الخلاف بمسألة استقرّ القرار عليها منذ قرون ، وأجمع المسلمون قاطبة في مشارق الأرض ومغاربها عند عربها وتركها وزنجها بالاقرار فيها لبني عثمان منذ عهد السلطان سليم الأول ، ثم تعقبوه أيضا فيما يكتب في جريدة الاعلام إلى أن يسر الله بقدوم الغازي مختار باشا إلى مصر وظهر له بالعيان فساد تلك الوشايات.
وفي أثناء سفره كاتبه العلامة المرحوم الشيخ عبد الهادي نجا الأبياري من كبار علماء الجامع الأزهر ومفتي المعيّة السنيّة بهذا المكتوب :
بسم الله والسلام عليكم ورحمة الله
ورد الكتاب على المحب المغرم |
|
فشفاه من وجد الغرام المؤلم |
قد شمت منه مذ شممت أريجه |
|
بشرا بصحة ذي السيادة بيرم |
حيّا فأحيا مهجة كانت بما |
|
قاساه تمسي في أشد تألم |