ولم يكن ذلك ليؤثر على حسن صيته وشهرته فقد قيل ـ كلام العدى ضرب من الهذيان ـ ومن تأمل في تاريخ حياة المغفور له علم أنه كلما خفض الأعداء والحساد من شأنه ذراعا ارتفع ميلا وكلما اشتدت به ملمات الحوادث وكوارث الزمن زاد قدره اعتلاء ، فقد خرج المرحوم من دياره مغربا مشردا فما زالت به همته حتّى بلغت به إلى شرف المقابلة بالحضرة الشاهانيّة ونوال أقصى الرعاية السلطانيّة وخسر أمواله وأملاكه ، فقام له فضله وعلمه بعدم الحاجة لأحد فعاش ميسورا ومات ميسورا واجتهد بعض ذوي التقصير في الحط من سيرته والطعن في شهرته فما زاده ذلك إلّا اعتلاء في الصيت واحتراما في النفوس وتوقيرا في الصدور ، فقضى حياته حميد السيرة وانتقل إلى رحمة ربه طاهر السريرة وعلى كل حال فنسأل الله أن يجازي الجميع خيرا ولا يريهم ضيرا ، هذا وقد كتبت ما كتبته والله يعلم إني لم أقصد به فخرا ولا حبّا في الظهور وإنما هي حقائق مثبوتة بمستنداتها ألقيتها تحت نظر القارىء ليرى في حياة هذا المؤلف وما طرأ عليه من نعيم وبؤس العبرة الّتي يتوخاها وقياما بحقوق الأبوة والتربية وإجابة لما كان كلفني به عند قدومه إلى مصر ولكوني أعلم الناس بأحواله رحمهالله رحمة الأبرار.
وكلما تذكرت على قبره محاسن أفعاله في حياته العموميّة وجميل أخلاقه وشهامة نفسه في حياته الخصوصيّة أكاد أنشد بيت المعرّي مخاطبا لقبر أبيه :
لأطبقت أطباق المحارة فاحتفظ |
|
بلؤلؤة المجد الحقيقة بالخزن |
|
٩ ذي الحجة سنة ١٣١١ ه محمّد بيرم |