وكان عالما فاضلا عالي الهمة عزيز النفس رفيع الحسب منشئا فصيح اللسان جميل المحاضرة صاحب أناة ووقار خبيرا بالسياسات الشرعيّة والوقتيّة حسن التدبير واسع الإدارة امتنع من قبول الخطط الشرعيّة عدة مرار متعللا بضعف بدنه ، وكان عضوا في عموم الجمعيّات الّتي انعقدت لوضع التراتيب العلميّة والتنظيميّة أول الوزارة الخيريّة وهو الذي قام برئاسة جمعيّة الأوقاف عند تأسيسها فأسس أصولها بعد أن جمع شملها بما يقتضيه العلم والإنصاف ، وولي نظارة المطبعة الرسميّة واعترته أمراض عصبيّة بمعدته سافر بسببها عدة مرار لباريز وإيطاليا وحنكته الأسفار بما يزيده في الاعتبار ، وبإشارته كان إنشاء المستشفى الصادقي وباشر إقامته على النمط الذي رآه بباريز ، ومن قلمه كان إنشاء قانونه وشكره الأمير يوم فتحه في الموكب العمومي وولي عضوا في مجلس الدولة الشوري على عهد وزارة ابن إسماعيل واشتد مرضه والحّ في طلب الإعفاء ولم تسعفه الدولة بذلك وخرج لبيت الله الحرام أواخر سنة ست وتسعين ومائتين وألف ورجع على طريق الشام.
ولما رأت الدولة انحلال وظائفه أحالتها لغيره في الثامن والعشرين من محرم سنة ١٢٩٧ ه وتنقل من الشام إلى دار الخلافة العثمانيّة فنزل بمنزل التعظيم والتكريم وعرضت عليه نقابة الأشراف والفتوى بالشام فلم يقبل لضعف بدنه ، ثم انضمّ إليه أبناؤه وعائلته وأجرت عليه الدولة جراية سلطانيّة وهنالك ألف رحلته «صفوة الإعتبار بمستودع الأقطار والأمصار» وأودعها من الأصول السياسيّة والأصول العلميّة ما يدل على كمال تضلعه وقوة عارضته ، وأقام بالآستانة إلى أن شق عليه مرضه العصبي وأشار عليه الأطباء بالتنقل إلى البلاد الحارة فتنقل بأهله وأبنائه أول المحرم سنة اثنتين وثلاثمائة وألف وتلقته الديار المصريّة بالرحب والقبول وأنزله الجناب الخديوي منزلة التكريم وأجرى عليه جراية تليق بأمثاله وفتح بها مطبعته الإعلاميّة وأفادت صحيفة «الإعلام» في سائر الجهات العربيّة إلى أن ولي حاكما بالمحكمة الأهليّة وفي أثناء هاته الأسفار كان مجدا في الاعتناء بكرام أبنائه في المدارس إلى أن وصلوا إلى قدم الكفاءة للمهمات وترقى أولهم لخطة كاتب بمجلس النظار بالديار المصريّة نسأل الله أن يجعل منهم خلفا محمودا وأن يديم عليه في نعيم الجنان ظلّا ممدودا».
هذا وقد قيل إن قيمة المرء لا تقوم بمقدار مادحيه فقط بل بانضمام المنتقدين عليه أيضا ، وعلى ذلك نقول أنه من دون سائر الجرائد العربيّة والإفرنجيّة قد انفردت إحدى جرائد الآستانة العربيّة بنشر ما يخالف أمره عليه الصلاة والسلام : «اذكروا موتاكم بخير» (١).
__________________
(١) الحديث في سنن أبي داوود (٤٩٠٠) بلفظ : «أذكروا محاسن موتاكم» وفي الترمذي (١٠١٩) وفي السنن الكبرى للبيهقي ٤ / ٧٥ وفي شرح السنة للبغوي ٥ / ٣٨٧ وفي مشكاة المصابيح (١٦٧٨) وفي اتحاف السادة المتقين ٧ / ٤٩١ و ١٠ / ٣٧٤ وفي كشف الخفا ١ / ١١٤. وفي المعجم الكبير للطبراني ١٢ / ٤٣٨ وهو باختلاف يسير.