وأكابرها ، وفي مقدمتهم صاحب الدولة رياض باشا رئيس مجلس النظار وناظر الداخليّة والماليّة وكثير من العلماء وقضاة المحاكم الأهليّة ومشاهير المحامين وذوي الفضل من الوجوه والأعيان. ومما هو جدير بالذكر في هذا المقام ما كان من صاحب الدولة رياض باشا من العناية بأمر المرحوم والإهتمام بشأنه والمساعدة في إكرام تشييع جنازته ودفنه وتعزية أولاده وتشجيعهم على تحمل المصاب إلى غير ذلك من الإحتفال والإكرام ، ولما وصلت الجنازة إلى المحطة شيعت في مشهد حافل مشى فيه دولة رئيس النظار ومن تقدم ذكرهم ومن حضروا من حلوان بغاية السكون والوقار وكان في مقدمة المشهد الذاكرون ومرتلو البردة وغيرها من الأحزاب والأوراد ، ثم المشيعون للجنازة فحملة السرير وكلهم آسفون لفراق هذا الرجل العظيم الشان ، وقد دفن رحمهالله في المدفن الذي بناه صاحب الدولة رياض باشا بقرافة الإمام الشافعي عليه الرضوان وفرّقت الصدقات على الفقراء والمساكين ودعا الناس للمرحوم بالرحمة والغفران.
أمّا الرجل رحمهالله فكان عالما فاضلا فقيها كاملا متضلعا من العلوم الشرعيّة بأنواعها مطلعا على أحوال الأمم وله الباع الطولى في فنون التاريخ القديم والحديث وكان من ذوي الأقلام البليغة فيما يريد كتابته من المواضيع وقد ألف رسائل كثيرة في الأحاديث والأصول والأحكام الشرعيّة والجغرافيا التاريخيّة والسياسيّة وغيرها ، وكلها تدل على غزارة مادته وسعة تفننه في المعارف والعلوم وكان كثير الاستشهاد بأحوال الأمم الغابرة والحاضرة في كتاباته وأقواله وله قوة حاضرة في إقامة الدليل والبرهان كما يشهد بذلك المقامات الافتتاحيّة الّتي كان ينشرها في جريدة الإعلام رحمهالله رحمة واسعة وأفرغ على آله وذويه جميل الصبر. وعزاهم على مصابهم فيه أكمل العزاء وأثابهم على الصبر عظيم الأجر آمين».
وهذا ما قالته جريدة «الحاضرة» الصادرة بتونس في ٢٤ ديسمبر سنة ١٨٨٩ عدد ٧٤ «صباح يوم الخميس الفارط نشرت أخبار التلغراف من حلوان مصر القاهرة خبر وفاة العلامة النحرير صاحب الصيت الشهير المؤلف الشيخ السيد محمّد بيرم وبما أنه من مفاخر البلاد التونسيّة تقوم الحاضرة بواجب رثائه وهي أدرى من غيرها بفضائل رجالها ، فقد ولد هذا العالم في بيت العلم البيرمي سنة ست وخمسين ومائتين وألف وتربى في مهاد العلم والتعليم ، وقرأ على ابن عمه الشيخ أحمد بيرم وعلى عم جده الشيخ مصطفى بيرم وعلى شيخ الإسلام الشيخ محمّد معاوية وقرأ على الشيخ الطاهر بن عاشور والشيخ الشاذلي بن صالح والشيخ محمّد الشاهد والشيخ علي العفيف وغيرهم من فحول جامع الزيتونة إلى أن حصل على مرتبة عالية وتقدم لخطتي التدريس ، وقرأ كتبا مهمة بجامع الزيتونة وولي مشيخة المدرسة العنقيّة بعد وفاة عمه شيخ الإسلام الرابع وختم بها الأختام المهمة وكان يعيدها كل سنة في بيت الحضرة العليّة.