وحيث كان من العجائب بمكان رأينا أن نثبت هنا ما ذكره أحد مراسلي الصحف العربية في شأن ذلك الموكب ونصه : «بينما الناس في فترة وإذا بالإنكليز اخترعوا طريقة أنتجت جملة فوائد لهم ولرعيتهم وهاك بيانها تفصيلا وهي : تلقيب ملكة الإنكليز بإمبراطورة الهند فلهذا أجمعت جمعية عمومية من ملوك الهند ومن أمرائها في بلدة دهلى التي كانت قبلا تخت ملك ملوك الهند ، فبعد أن حضر جميع هؤلاء الملوك والأمراء وأهل الثروة العظمى ونصبوا خيامهم الفاخرة خارج البلدة ، كرت الناس من كل فج عميق إلى دهلى ما بين متفرج وتابع وما بين تاجر وصانع وعامل ، إلى أن غصت المدينة بالناس وصار المحل الذي أجرته عادة في الشهر خمس روبيات مائة روبية ، والعجلة التي تكرى عادة بربع روبية بعشرة روبيات ، فكأن السماء أمطرت والأرض أنبتت بني آدم ، فإن شارع دهلى عرضه أربعين مترا وكان المار فيه يخشى على نفسه من شدة الإزدحام ، وجل هؤلاء الناس وصل إلى دهلى بواسطة سكة الحديد فإنها متشعبة في جميع أقطار الهند كتشعب عروق الجسد ، وهذا الجمعية الكبرى تسمى بلغة أهل الهند «بالدربار» ، فجميع ما شاهدته في هذا الدربار يعجز لساني عن بيانه وقلمي عن حسابه ، وإنما أشرح لك فصلين :
أحدهما : في كيفية دخول حكمدار الهند إلى دهلى ، وكيف استقبلته ملوك الهند وأمراؤها ، وكيف مشوا في صحبته وإنقادوا في موكبه وخلف ركابه.
والفصل الثاني : في صورة الجلسة أي هيئة اجتماع الملوك وكيف ألقى عليهم خطاب امبراطورتهم ، وكيف تلقوه بالاحتفال والقبول.
أما الفصل الأوّل : فهو أنه في السادس من ذي الحجة سنة (١٢٩٣ ه) بعد الظهر بساعتين ، اصطفت العساكر الإنكليزية البيض وهم في أحسن الملابس وبغاية النظام في الطول والإستواء من محطة سكة الحديد إلى محل قيام الحكمدار ، وهو مسافة ثمانية أميال وارتصوا من طرفي السوق الكبير من الجانبين ، فبعد الساعة الثانية سمعنا صوت المدافع إيذانا بوصول الحكمدار ، وشرع أول الموكب في المرور وكان أولهم فرقة من خيالة على خيل حمر بغاية الجسامة على لون واحد وسروج بلون واحد ولباس فرسانها بلون واحد وعددهم نحو الخمسمائة ، ثم تلتها فرقة أخرى خيالة نحو الخمسمائة على خيل بيض جسام كنظام ما قبلها ، ثم تبعتها فرقة أخرى خيالة نحو الخمسمائة على خيل شهب في غاية الضخامة كنظام ما قبلها ، ثم أعقبتها سرية أخرى خيالة نحو الخمسمائة على خيل بلق كنظام ما قبلها ، ثم حلبة أخرى على خيل شقر ثم أخرى على خيل صفر ثم وثم وثم إلى أن مر نحو خمسة آلاف خيال جميعهم بغاية الأبهة ، ثم أقبلت الطوبجية ومعهم مائة مدفع خلف بعضها في غاية الضخامة وحسن النظام وحسن الآلات والعدد مع كبر الخيل وحسن هيئتها ، ثم أقبلت سرية الفيلة وأوّلها فيل عجيب الشكل أظنه أعلى فيل في أرض الهند ، وناباه بارزان عن شدقيه نحو ذراعين وعليهما أطواق من الذهب حلية له ، وعليه تخت جسيم