ولما استقرّ الوزير المشار إليه في المنصب ووجه عزيمته لإصلاح الإدارة رأى أن الأوقاف مشتتة قد استولت عليها أيدي الخراب والأطماع فرأى : «إن جمعها في إدارة واحدة يكفل حفظها ويجمع ريعها فيصرف في أوجهه المشروعة». وذلك على النحو الجاري في دار الخلافة السعيدة ، وقد رأى الوزير أن يعهد إلى صاحب الترجمة أمر هذه الإدارة الجديدة لما يعهده فيه من معرفته بالأحكام الشرعية وإطلاعه على المقتضيّات الوقتية فامتنع المرحوم أولا من قبول أي وظيفة كانت ، لأنه لم يكن يميل إلى التقيد بشيء مّا يمنعه عن السعي وراء ضالته المنشودة وهي الحريّة للرعيّة ودخوله في الوظائف يجعله بلا ريب مقيدا مع الوزير بالآداب الّتي تقتضيها الوظيفة ، أما بقاؤه خارجا عن دائرة الحكومة فيبقيه على حريته الّتي تمكّنه من تذكير الوزير بما عساه ينساه من تتميمه لما كان تعهد بإجرائه ، هذا فضلا عما كانت عليه سجيّة صاحب الترجمة من الهمة وإباءة النفس ، حتى كأن جدّه حسين بيرم المتوفي سنة ١١٥٥ ه قد نظر إليه بظهر الغيب لمّا ذيل البيتين الشهيرين :
شيآن لو بكت الدماء عليهما |
|
عيناي حتّى تؤذنا بذهاب |
لما يبلغا المعشار من حقيهما |
|
فقد الشباب وفرقة الأحباب |
بقوله :
وأشدّ من هذين أن يلقى الفتى |
|
ذل السؤال ووقفة الأبواب |
ومع ذلك فقد تغلب أصحابه عليه وقبل إدارة الأوقاف في ١٧ صفر سنة ١٢٩١ ه ولم ينفرد مع ذلك بأمرها بل شارك معه مجلسا مؤلفا من ثلاثة أعضاء أحدهم من رجال الإدارة والإثنان الآخران من أعيان الأهالي والتجار وجعل نظرهم في الأوقاف على قسمين :
الأول : الأوقاف الأهليّة أي الّتي هي موقوفة على ذريّة الواقف أو قرابته.
الثاني : الأوقاف الّتي على أعمال البر مثل الجوامع وقراءة القرآن وغير ذلك.
فأما نظرهم في الأول فهو مجرد نظر إرشاد ، وإما القسم الثاني فنظرهم عليه نظر تصرف مطلق ، والمباشر للأعمال هو الرئيس بعد أخذ رأي الأعضاء عنها ، وقد جمع الأوقاف كل نوع منها لجهة واحدة بأن ضم مثلا جوامع الخطب كلها لجهة والمدارس كلها لجهة وأوقاف القرآن لجهة وهكذا إلى آخر أنواع الموقوف عليه ، وجعل لكل قسم وكيلا خاصا يباشر العمل في ذلك تحت النظر الأصلي فيقبض الوكيل ويصرف في إقامة الشعائر وفي إصلاح الموقوف والموقوف عليه ولكنه لا يعمل شيئا إلّا بعد الإستئذان من رئيس المجلس ، وجميع حساباته ترسم في دفترين مخصوصين بشهادة عدلين أحد الدفترين للحسابات اليوميّة والثاني للحسابات العمومية ، وإنما جمع كل نوع من الأوقاف تحت نظر وكيل واحد لأن الموقوف عليه مختلف الريع بعضه غني وبعضه فقير ، فإذا