واليهود ، والديانة الغالبة فيهم هي البوذية ، وهي نوع من الوثنيين ، كما أن فيهم قسما عظيما من المسلمين يبلغ إلى ما ينيف عن الستين مليونا ، فمن هؤلاء نحو أربعين مليونا متفرّقين في الممالك أصلهم من الأهالي ، ومن العساكر المسلمين الذين جلبهم ملك الصين في عهد الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور (١) حيث ثارت عليه رعاياه ، فاستنجد بالخليفة على أن يؤدّي إليه معلوما إذا أنجده ، فأرسل له أربعة آلاف من صناديد المسلمين وقهر بهم رعاياه وجازاهم عن ذلك بجواز الإقامة في مملكته مع جواز التزوّج ببنات الأهالي ومصاهرة الأعيان وإعطائهم ما يحتاجون إليه ، فأقاموا على شروط وهي استقلالهم في إدارتهم الخصوصية وعبادتهم وإشهارها ، فأجاز لهم مطلبهم لكن فرقهم على المدن العظيمة في مملكته ، وصار في كل مدينة مدينة مستقلة بالمسلمين على حسب كثرتهم وقلتهم مستقلين في أحكامهم الخصوصية مشهرين لشعائر الدين ، ولهم قضاة وأئمة بحيث لا يتداخل فيهم الحكم الصيني إلا في عموم السياسة ، ومنهم في مدينة «باكين» قاعدة المملكة نحو عشرين ألفا ولهم جامع ضخم قديم حسن جدّا ، ويسمونه بلغتهم «هوى هوى» ومساجد أخرى نحو العشرين منها إثنان لأهل الشيعة حيث حدث فيهم هذا المذهب في القرون الأخيرة ، وأغلبهم أهل سنة عن مذهب أبي حنيفة وكذلك بقية المسلمين في الصين مثل ما ذكر من القسمين.
ومن عادات هؤلاء المسلمين أن ينشروا في رأس كل سنة تقارير تشتمل على بيان أوقات الصلاة مكتوبا بأعلاها من أركان الإسلام الخمس كلمة الشهادة ، والصلاة ، والزكاة ، والصوم ، ولا يذكرون الركن الخامس وهو الحج. قال بعضهم : إن علمائهم أسقطوا ذلك لعدم تحمل مشقة الطريق لبعد مسافة الحج عندهم ، وأظن أن علة منع الخروج من ممالكهم هي الباعث على ذلك ، وإلا فليست مملكة الصين بأشق في السفر من أهالي «سمطرا» وأقصى الغرب ودواخل السودان ، فجرت على ذلك عادتهم ولو بعد انتفاء المانع وسهولة السفر بحرا في البواخر.
ومن عاداتهم أيضا أن يكتبوا على أبواب الجوامع «خواي خوى ثانغ» أي محل الجماعة الإسلامية ، وأن يكتبوا «تسين جسن سواي» معبد الإله الحقيقي ، ويسمون علمائهم «لاوجوفو» أي المعلم الأكبر ، وأمّا أهل الصين فيسمون جوامع المسلمين «ليطاسو» أي محل العبادة الإسبوعية ، وحيث كان الدين الإسلامي لا يجوّز مناكحة المشركين أسلم كثير من نسائهم بل وعائلات النساء وتزوّج بهنّ المسلمون وتناسلوا إلى أن بلغ عددهم نحو الأربعين مليونا في هذا العصر ، ولم يزالوا على الإستقلال الإداري حتى حكى طرفا منه ابن بطوطة (٢) وهم عليه إلى الآن.
__________________
(١) هو عبد الله بن محمد بن العباس أبو جعفر المنصور (٩٥ ـ ١٥٨ ه) ثاني خلفاء بني العباس كان عارفا بالفقه والأدب مقدما في الفلسفة والفلك. توفي ببئر ميمون محرما بالحج. الأعلام ٤ / ١١٧ مروج الذهب ٢ / ١٨٠ و ١٩٤ تاريخ بغداد ١٠ / ٥٣ الكامل في التاريخ ٥ / ١٧٢ و ٦ / ٦ تاريخ اليعقوبي ٣ / ١٠٠.
(٢) هو محمد بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم اللواتي الطنجي أبو عبد الله ابن بطوطة (٧٠٣ ـ ٧٧٩ ه) رحالة مؤرخ. توفي في مراكش. الأعلام ٦ / ٢٣٥ وفي الدرر الكامنة ٣ / ٤٨٠ رقم الترجمة (١٢٨٥) دائرة المعارف الإسلامية ١ / ٩٩ تاج التراجم ٥ / ١٠٩ وهو فيه محمد بن علي.