ومأجوج المذكورة في النصوص المروية غير موجودة في أولئك الأقوام ، ودلت النصوص أيضا على أن ذاك السد يدكّ قرب الساعة وتحدث منهم حوادث لم تظهر إلى الآن ، فلا يكون حينئذ ذلك السور هو السدّ ولا يخفى أن بعض الأوروباويين الآن لهم دعوى مثل بقية البشر الغير متبصرين من العجائب بما هو عليه ، وادعاء بلوغ النهاية في العلوم حتى أنهم أنكروا وجود السدّ لدعواهم أن كرة الأرض صارت الآن معلومة ، ولم يجدوا فيها السد ، فهاته الدعوى هي في الواقع مبالغة منهم ، وإنما يقال إن اكتشافهم الآن للكرة أكثر من اكتشاف الأمم السابقين الذي وصلت إلينا مؤلفاتهم ، وإن احتمل إطلاع غيرهم على ما اطلع عليه الآن أو أكثر ، لكن لم نجد لذلك أثرا ولا يلزم من عدم وجود الدليل انعدام المدلول ، أما الإحاطة بجميع كرة الأرض وعلم جميع ما فيها فهو غير مسلم لوجوه.
فمنها : أن جميع علماء الجغرافية نصوا في تأليفهم أن جهة القطبين لم يمكن الاكتشاف عليها إلى الآن وأن المجهول جهة القطب الجنوبي أكثر من المجهول جهة الشمالي ، لأنه أي الجنوبي أشد انحرافا عن وصول الأشعة الشمسية إليه مستقيمة.
ومنها : أن الإكتشافات لا زالت تنموا شيئا فشيئا فإنه منذ أربعمائة سنة لم تكن أمريكا معروفة وكان علماء ذلك العصر يرون أن ما وراء شطوط القارات القديمة إنما هو بحر صرف ، حتى أن من ضمن في وجود عمران وراء ذلك سخروا منه تارة واضطهده جهلاء علماء الديانة تارة أخرى ، كما يأتي الكلام عليه في أحوال أمريكا ، ثم تبين بالواقع وجود ذلك العمران الذي يحسب القسم الثاني من أقسام الأرض ، ثم منذ ستين سنة اكتشفت استراليا التي هي القسم الخامس من القارات ، ولا زالت الإكتشافات متتابعة إلى الآن في أمريكا وفي غيرها ، ومنذ أربع سنين فقط اكتشف سواح الإنكليز جزيرة صغيرة جهة الشمال معمورة بخلق صغار الجثث فطس الأنوف كبار الأذان يأكلون نوعا من السمك ويلبسون جلده ويوقدون عظمه ، وكذلك اكتشف منذ قريب قوم من البشر على نحو تلك الصفة في شمالي أمريكا الشمالية ينحتون من جبال الثلج بيوتا ويجعلون للطواقي المنفذة للضوء قطعا من الثلج الصفيق لكي لا تمنع الضوء وتقيهم مرور الأرياح.
وهكذا لا زال الإكتشاف يتتابع : (وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ) [المدثر : ٣١]. ومن تأمل سياق الآية الكريمة في حكاية حال «ذي القرنين» إلى بلوغه إلى «يأجوج ومأجوج» ظهر له من السياق أنهم جهة أحد القطبين إذ قال تعالى : (فَأَتْبَعَ سَبَباً حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَها قَوْماً قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً قالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْراً ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً كَذلِكَ وَقَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ خُبْراً ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً