وأما المعادن : فعندهم أغلب المعادن المعروفة ، ولكنهم لقلة مهارتهم في استخراجها وتصفيتها يحتاجون إلى جلبها من خارج.
وهكذا نباتات هاته المملكة فيها أغلب نبات المعمور لاتساعها واختلاف أقاليمها ، وكذلك الحيوانات والهواء ، وقاعدة المملكة هي مدينة باكين التي هي من أعظم مدن العالم ، سكانها أزيد من ثلاثة ملايين ولها سور يحيط بها ، وأغلب أبنيتهم طبقة واحدة مقسمة إلى عدة أقسام إلا قصور الملوك ففيها طبقات ، والأهالي يتزوّجون امرأة واحدة شرعية ويتخذون غيرها كالسراري على أنهنّ خذيمات لها ، ولهم شارات في التفاخر والدلالة على البيتوتية والغنا منها أن الأغنياء والأكابر يخلدون إلى الراحة حتى لا يكادون يتحرّكون وتغلب هاته الصفة في نسائهم ، فكان من عجائب عاداتهم فيهنّ أن بنت الأعيان إذا ولدت يجعلون لها حذاء من حديد أو ما أشبهه من الأشياء الصلبة ، ويلبسونه لها في سن المهد وتترك كذلك إلى انتهاء شبابها فتكون أقدامها صغيرة جدّا بحيث لا تستطيع المشي ، وكذلك كفوف يديها حتى لا تقدر أن تشتغل ولا ترفع شيئا ، من الإعتناء بتسمينها فتصير ذاتها ضخمة وكفها وقدماها في غاية الصغر ، دلالة على أنها لا تحتاج لعمل شيء بنفسها وكل الضروريات وغيرها تفعلها لها الخوادم ، فيصنعون مساطب لحملها على الأعناق عندما تريد المشي لأي جهة كانت وهكذا جميع الحركات ، ويستكثرون من الخدم على قدر البسطة في المال والجاه وعادة الحمل على الأعناق عامة حتى في الرجال الكبراء والأغنياء ، وهاته الخلة جارية أيضا في أهالي الهند.
وأما حكم هاته المملكة المتسعة : فهو يرجع إلى عامل واحد ذي حكم استبدادي مطلق وله وزراء يديرون ويجرون أمر المملكة على إرادته ، ثم في الجهات أمراء مستبدون في التصرف في إماراتهم تحت أوامر السلطان العام الذي يقلد ويعزل منهم حسب إرادته ، ومع ذلك الإستبداد فإنهم لتحفظهم على العوائد القديمة تجد كأن أحكامهم قانونية لإجرائهم الحوادث شبه بعضها ، ولا يتجاسرون على خرق العادات القديمة في جميع تصرفاتهم إلا في أمر أكيد عظيم وقلما يقع ، ولهم اعتقادات في ملكهم ربما أدّتهم إلى اعتقاد ألوهيته ، ولهم أيضا دواوين يضبطون بها إدارات التصرف والأموال وأرزاق العساكر ، فمن نظر إلى مجموع تصرفات المملكة يجدها مشابهة أعظم مشابهة إلى الدول القانونية ، وكان ذلك هو سبب قدم هذه الدولة وعدم تلاشيها ، إلا أن السلطان عندهم وإن كان له أن يفعل ما يشاء ، إلا أنه لا يفعل شيئا إلا بمشاورة رجال دولته وأرباب مجالسه في جميع الأمور ، وكل من أمرائه لا يتصرف إلا بمشاورة رجال مجالسهم ، ولا يتوظف أحد في خطة أيا كانت إلا أن يكون من أصحاب العلوم والمعارف الذين هم وجهاء الأمّة ، كما يشترط في كل موظف أن يكون متأهلا وجديرا بالخطة التي يتقلدها ، ومن عاداتهم الشبيهة بالقانونية أن المتوظف إذا ظلم أحد الرعايا ولو في أقل الأشياء يعاقب أشد العقاب ، بل إنهم مطلوبون كل على حسب خطته بما يطرأ على الأهالي من المصائب السماوية التي يكون في