السور ككونه من زبر الحديد ومفرغ عليه النحاس والصدفان.
حينئذ طرفان من ذلك السور كما تأوّل صفات يأجوج ومأجوج ، إلى ما يصح إطلاقها به على التتر والمنشورية ، ويكون وعد الله الذي يدك فيه السدّ هو قرب الساعة ولا شك أن الساعة قربت ، كما أعلم به رسول الله صلىاللهعليهوسلم في قوله : «بعثت أنا والساعة كهاتين وأشار بالسبابة والوسطى كناية عن مزيد القرب» (١) وكما قال تعالى : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) [القمر : ١]. فما بقي من الدنيا بالنسبة إلى ما مضى شيء قليل جدّا ، والطبيعيون أنفسهم مقرون بذلك لما يستدلون به من كيفية تكوين الأرض وارتباطها بالأجرام العلوية.
وحينئذ يكون الفساد الموعود به في النصوص من أولئك القوم ، هو ما وقع من التتر المنغولي من الفساد في الممالك وكفى بوقائع جنكس خان (٢) وما عثاه هو وأصحابه في الدنيا مصداقا لذلك ، فإن من له إلمام بتاريخه يرى فيه العجب العجاب وهي مصيبة عظمى لم تحدث على المسلمين مثلها ، وإنما تطاول الزمان وعدم علم الجمهور بها هو الذي لم يصير لها اعتبارا الآن ، وكل هذا الأخير مستبعد وإنما يلزم المآل إليه إذا فرضنا الإحاطة حقيقة بجميع أطراف الأرض ، والحاصل أنه مهما وجدنا نصا عن الصادق يلزم التسليم إليه والتصديق به فإن وجدنا ما يخالف فهمه في الوجود وجب فهمه على مقتضى الوجود ، إذ يستحيل مخالفة خبره للواقع ، وقد نص على هذا العلماء الراسخون ، ومنهم سعد الدين التفتازاني (٣) في «التلويح». ثم إن لمملكة الصين من الأنهر العظيمة الحاملة للسفن الشراعية والبخارية ما أغناهم عن تكثير الطرق الصناعية في الأرض.
وأما الجهات التي لا تصل إليها الأنهر : فإنهم يصنعون فيها ترعا متصلة بالأنهر ميسرة للسير وحمل الأثقال ، حتى أن منها ترعة هي من عجائب الدنيا طولها نحو ستمائة وخمسين ميلا ، وصنعت في عدة أجيال من الجيل السابع من تاريخ المسيح أي القرن الثاني الهجري إلى القرن الثامن من الهجرة ، ولم تحدث فيها الطرق الحديدية إلى الآن.
__________________
(١) الحديث في صحيح البخاري وفي صحيح مسلم كتاب الفتن برقم (١٣٥) وفي النسائي ٣ / ١٨٩ وفي الترمذي (٢٢١٤) وفي ابن ماجة (٤٥ ـ ٤٠٤٠) وفي السنن الكبرى للبيهقي ٣ / ٢٠٦ وفي الدر المنثور ٣ / ١٤٧ و ٦ / ٥٠ وفي الترغيب والترهيب للمنذري ١ / ٨٣ وفي أسباب النزول للواحدي (١٧٨) وفي إتحاف السادة المتقين ١٠ / ٢٥٤ وفي مشكاة المصابيح (١٤٠٧ ـ ٥٥٠٥) وفي كنز العمال (٣٨٣٤٨ ـ ٣٩٥٧١).
(٢) هو جنكيز خان ابن يشوكي (١١٦٧ ـ ١٢٢٧ ه) منشىء الإمبراطورية المغولية ولد في إقليم دولون بلدة في (بلاد الروس) وكان إسمه الأصلي «تيموجين». هز بحروبه أركان الدول جميعا فيما بين الصين والبحر الأسود المنجد في اللغة والأعلام (٢١٩).
(٣) هو مسعود بن عمر بن عبد الله التفتازاني سعد الدين (٧١٢ ـ ٧٩٣ ه) عالم بالعربية والمنطق توفي في سمرقند. الأعلام ٧ / ٢١٩ بغية الوعاة (٣٩١) مفتاح السعادة ١ / ١٦٥.