الوهاب (١) الذين ظهروا في أوائل القرن الثالث عشر ، ناشرين دعوة شيخهم محمد بن عبد الوهاب حيث كان مدعيا بحفظ السنة وإبطال البدعة فتجاوز الحدود حتى منع المباح ، وقويت شوكته وكثرت أتباعه حتى تسلط على الحرمين الشريفين وقطعة من العراق إلى كربلا ومسجد علي ، وخرّبه وهدم البناآت على القبور وأزال الكتابات التي عليها ، وأراد أن يحمل الناس على الاتباع حتى في العادات والأحوال الدنيوية وإن اختلف الأعصار ولم يتقيد بمذهب خاص بل أنه يدعي العمل بالحديث على مقتضى ما يفهمه ، وسيأتي ما يتعلق بهاته المسألة في فصل من المقصد عند الكلام على رجوعي من السفر الأول إلى باريس ، وملخص الكلام أن هاته الفرقة تجاوزت المقصد الصحيح في الدين الذي ينبغي التيقظ إليه وإن كانت تدّعيه ، كما أن بعض الرادين عليها تجاوزوا حدّ ما ينبغي وخرجوا أعمالها كلها عن حدود الشرع ، بل كادوا أن ينسبوها للكفر وقد ألفت تآليف كثيرة في الردّ على مذهبهم من علماء مصر وتونس وغيرهم (٢).
__________________
(١) هو من أهل القرن الثاني عشر الهجري ، ظهر بدعوة ممزوجة ، بأفكار منه زعم أنها من الكتاب والسنة ، وأخذ ببعض بدع تقي الدين أحمد بن تيمية فأحياها ، وهي تحريم التوسل بالنبي ـ وتحريم السفر لزيارة قبر الرسول وغيره من الأنبياء والصالحين بقصد الدعاء هناك رجاء الإجابة من الله ، وتكفير من ينادي بهذا اللفظ : يا رسول الله أو يا محمد أو يا علي أو يا عبد القادر أغثني إلا للحي الحاضر ، وإلغاء الطلاق المحلوف به مع الحنث وجعله كالحلف بالله في إيجاب الكفارة ، وعقيدة التجسيم في الله والتحيز في جهة.
وابتدع من عند نفسه : تحريم تعليق الحروز التي ليس فيها إلا القرآن وذكر الله ، وتحريم الجهر بالصلاة على النبي عقب الأذان. وأتباعه يحرمون الإحتفال بالمولد الشريف خلافا لشيخهم ابن تيمية.
وفي تاريخ مفتي مكة أحمد زيني دحلان تحت فصل فتنة الوهابية ما نصه : «كان في ابتداء أمره (أي عبد الوهاب) من طلبة العلم في المدينة المنورة ... وكان أبوه رجلا صالحا من أهل العلم وكذا أخوه الشيخ سليمان ، وكان أبوه وأخوه ومشايخه يتفرسون فيه أنه سيكون منه زيغ وضلال لما يشاهدونه من أقواله وأفعاله ونزغاته في كثير من المسائل ، وكانوا يوبخونه ويحذرون الناس منه
فحقق الله فراستهم فيه لما ابتدع ما ابتدعه من الزيغ والضلال الذي أغوى به الجاهلين وخالف فيه أئمة الدين. وزعم محمد بن عبد الوهاب أن مراده بهذا المذهب الذي ابتدعه إخلاص التوحيد والتبري من الشرك ، وأن الناس كانوا على الشرك منذ ستمائة سنة وأنه جدد للناس دينهم.
وكان محمد بن عبد الوهاب الذي ابتدع هذه البدع يخطب للجمعة في مسجد الدرعية ويقول في كل خطبة : ومن توسل بالنبي فقد كفر. وكان أخوه الشيخ سليمان بن عبد الوهاب من أهل العلم فكان ينكر عليه إنكارا شديدا في كل ما يفعله أو يأمر به ولم يتبعه في شيء مما ابتدعه ، وقال له أخوه سليمان يوما ، كم أركان الإسلام يا محمد؟ فقال خمسة : فقال : أنت جعلتها ستة السادس : من لم يتبعك فليس بمسلم هذا عندك ركن سادس للإسلام.
وقال رجل آخر يوما لمحمد بن عبد الوهاب : كم يعتق الله كل ليلة في رمضان؟ فقال له : يعتق في كل ليلة مائة ألف وفي آخر ليلة يعتق مثل ما أعتق في الشهر كله ، فقال له : لم يبلغ من اتبعك عشر عشر ما ذكرت فمن هؤلاء المسلمون الذين يعتقهم الله تعالى وقد حصرت المسلمين فيك وفيمن اتبعك ، فبهت الذي كفر.
(٢) ألف كثير من علماء الحنابلة وغيرهم رسائل في الرد عليه. وكان أخوه سليمان قد ألف رسالة في الرد ـ