لما استفحل أمر هاته القبيلة واستولت على الحرمين الشريفين ونشرت دعواها في تأليف خاص ، وبقيت على ذلك إلى أن تجرّد لها إبراهيم باشا من أمراء مصر وقهرها ، وأسر رئيسها سعود بن عبد العزيز العنزي (١) من ربيعة الفرس ، حيث كان هذا من أعظم أنصار الوهابي والقائمين ببيعته وانتشار مذهبه إلى أن مات في ضراعية وتلاشت من ذلك الوقت تلك الدعوة والدولة ، ولم يبق لها اعتبار إلا في نجد وأمامها الآن أحد نسل سعود المذكور ، وهو في التصرف أشبه بشيخ قبيلة بعيد عن الملك وانتظامه وشارته ، وهكذا سائر الأئمة المتقاسمين بتلك الجهات ، والأحق أن لا يعتبروا مملكة مستقلة وإنما يعتبرون كأنهم قبائل في أطراف الممالك العثمانية غير خاضعين إليها ، ولو أنها أحسنت التصرف بالدين والسياسة ، فإنها بإرادة الله تضمهم إلى ممالكها وتنظم أمرهم على أحسن ترتيب فينصلح حالهم وتتقوى بهم الدولة الإسلامية ، لأن في أراضيهم أودية فسيحة خصبة وجبالا غنية بالأشجار والمعادن ، لا سيما في نجد ، مع كرامة خيلها في الدنيا والرغبة فيها من جميع أهل العالم العارفين بالخيل ، وكذلك عندهم من الحيوانات الأنسية والوحشية ما هو مورد للثروة.
فكما امتدّت الدولة العلية بالولاية على اليمن شيئا فشيئا إلى العهد القريب ، كذلك إن شاء الله تجمع كلمة الإسلام هناك على خليفة واحد ، وكان سبب بقائهم إلى الآن لم تستول عليهم إحدى الدول هو اتساع أراضيهم وكون أغلبها صحارى وقفارا ، وأكثرهم قوم رحّل فلا يضبطون بسهولة لأنهم يلتجؤون إلى الدواخل ، والدولة العلية يسهل عليها ذلك لاتحاد الدين ، والإستيلاء على أغلب حدودهم فلا يصعب عليها المدد والإستعانة ممن جاورهم ، وبالعلماء في هدايتهم حتى تجري فيهم التراتيب الشرعية وتنتفع بهم الأمّة كما ينتفعون هم بالعدل والتمدن والمعارف ، ولا شك أن لاتحادهم اعتبارا عظيما عندما يتقدّمون ، لا سيما وأصل الغريزة العربية سليمة ولله الحمد ، أصفى قابلية للتقدّم من غيرها ، وشاهده ما حصل من العرب بعد غرس الحكمة فيهم بالدين الإسلامي وأهم هؤلاء القبائل وأئمتها الآن هي قبيلة مسقط ولها إمام وقد أدخل تحته طوعا قبيلته ظفار في هاته السنة وهي سنة ١٢٩٧ ه ، وله نوع احتماء بالإنكليز كما سيأتي في الكلام على زنجبار من أفريقية.
__________________
ـ عليه سماها : «الصواعق الإلهية في الرد على الوهابية» وهي مطبوعة. وأخرى سماها فصل الخطاب في الرد على محمد بن عبد الوهاب.
(١) هو سعود بن عبد العزيز بن محمد بن مسعود من عشيرة مقرن من عنزة شيبان (١١٦٣ ـ ١٢٢٩) يعرف بسعود الكبير. من أمراء نجد وليها يوم مقتل أبيه بالدرعية ، ساعد محمد بن عبد الوهاب في نشر مذهبه ، مما دفع بالدولة العثمانية بحشد جيوش من الترك وغيرهم بقيادة محمد علي باشا سنة ١٢٢٦ ه لمحاربة آل سعود في نجد. وأرسل محمد علي باشا إبنه أحمد طوسون من مصر فدخل المدينة ومكة سنة (١٢٢٧ ه) والطائف سنة (١٢٢٨ ه). توفي بعلة السرطان المعوي. الأعلام ٣ / ٩٠ وفي البدر الطالع ١ / ٢٦٢.