ثم أن الرئيس أعمل فكره بأن النازلة لا بد أنها وقع فيها احتيال على الرجل من إنسان مشابه للرئيس ، ثم دعا ضابط مركز الضابطية الذي بقرب دار الصيرفي وسأله هل رأيتني منذ كذا يوما قدمت إلى ناحيتكم؟ فقال : نعم فقال : في أي وقت فبين له الوقت وهيئة الركوب بأنها على الوجه الرسمي من الأبهة والملابس والعجلة ، فازداد تحققا لارتكاب الحيلة ثم سأله وإلى أين ذهبت فأجابه بأنه ذهب لدار الصيرفي الفلاني وبقي عنده حصة كذا ثم خرج من عنده متوجها إلى الجهة الفلانية ، فدعا الرئيس ضابط الجهة التي عينها الضابط الأول وأخبره بمثل ذلك وأنه ذهب إلى جهة كذا فدعا ضابطها أيضا ، وهكذا تتبع الحال إلى أن أخبره الأخير بأنك دخلت الدار الفلاني ثم رجعت العجلة خاوية وبقيت أنت هناك ولم تخرج باللباس الرسمي فدعا بدفتر من سكن تلك الدار لأن كل محل سكن فيه إنسان لا بد وأن يقيد إسمه عند صاحب الباب أو عند صاحب منزل المسافرين ، وأحضر الناس الذي سكنوا في الوقت المعين في تلك الدار فوجد بينهم رجلا يشبه الرئيس في الذات والوجه فدعاه منفردا ، وقال له أين المال الذي أخذته باسمي وإن لم تظهره بطيب نفس أظهرته منك من غير إرادتك كما أظهرتك أنت؟ فلم يسعه إلا الإقرار به ورجع الرئيس المال إلى صاحبه معلما له بأنه لم يستقرض منه وأنه احتيل عليه في ذلك ، ولهم من أمثال هاته الإحتيالات في السرقات أمور كثيرة وساعدهم على ذلك تيسر إحضار الوسائل مثل ما مر ، في كون السارق تيسر له لبس مثل لبس رئيس الضابطية ووجد أيضا عجلة ذات أبهة وخدمة مثل عجلة الرئيس إلى غير ذلك ، لأن تلك الأمور موجودة بسهولة كراء وشراء ولا منع من استعمالها إلا ما كان منها من مشارات الحكومة المحلية أو غيرها ، فإنه إذا كشف على المزور يعاقب ومع شدة الإحتراس والضبط على نحو ما ذكرناه فإنك لا تكاد تجد رجلا بل وكثير من النساء يخرج بدون حمل سلاح صغير خفي كالحديد في وسط عصا الإتكاء وكالطبانجة ذات الطلقات المتعددة موضوعة في الجيب إلى غير ذلك ، وهذا جار حتى في نفس باريس وقد كنت مارا ليلة في عجلة مع أحد الوجوه ومع زوجه ذاهبين لدعوة عند «فرديناند لسبس» فاتح خليج السويس فسألتني المرأة : عن نوع السلاح الذي معي؟ فأجبتها متعجبا : بأني ليس معي سلاح وما الحاجة إليه وأنا في وسط باريس ، فقالت هي وزوجها : لا بد من حمل شيء فإن الوقائع في باريس تحير الأفكار ولذلك لا يخلو أسبوع بل وأقل منه بدون وجود مقتولين سيما في نهر السين فإنهم يجدون في الشباك الموضوع في أسفل النهر خارج باريس كثيرا من جثث المقتولين إما بقتل غيرهم أو بقتل أنفسهم ، وذلك لأن كثيرا من الأهالي من يقتل نفسه لتسخط من أمر دنيوي. غير أن هذا التخوف في باريس لا يقع في الطرق الشهيرة ، «كالشانزي لزي» و «البلفار» لكثرة المارة بها ، ومن عوائد حكمهم إغضاء النظر عن الزنى بحيث أن المومسات يتبرجن جهرة بلا معارض ، ولهن ديار تجمع أعدادا وافرة وديار لأبناء الزنى الذين تلقيهم أمهاتهم ، وأكثر التجاهر به في بارس ودونك شاهدا على تفاحشه ، فقد حرر عدد النفوس سنة ١٢٩٧ ه ١٨٨٠ م