الأول : ما هو مختص بالديانة الإسلامية وله مدرسون في الجوامع يقرؤن النحو والفقه وفي خصوص الجزائر من هؤلاء عشر مدرسين ، والفقه هو المالكي وقليل من الدروس في الحديث أو غيره ، وأكثر الاجتهاد في هاته العلوم في بلد قسنطينة ثم تلمسان ، وفي الجهات الجنوبية يقرؤن العلوم في زوايا الطرق ولأهالي هاته الجهات اعتناء بأخذ العلم فيرحلون إليه إلى فاس وتونس وقليل منهم يرحل إلى مصر ، فلذلك لم ينقطع في تلك الجهات من له إطلاع حسن ومشاركة جيدة وقليل من يتضلع حقيقة التضلع لأنه ليس في أوطانهم علماء فحول وإنما يقرؤن صغار الكتب ، وأكثر الإنكباب في الفقه المالكي على حفظ مختصر خليل وتفهمه ، ومن تمهر في العلوم في إحدى البلاد الخارجية قلما يرجع إلى وطنه ، وفي كل تلك العلوم مدرسون في الجوامع لهم مرتبات من قبل الدولة الفرنساوية وهي القائمة بمصاريف إقامة الجوامع وما فيها من قراءة الأحزاب أو كتب الحديث لأنها استولت على جميع الأوقاف والمساجد واقتصرت في كل بلد على عدد مخصوص من المساجد تقوم به وغيره تصرفت فيه بما ناسبها وحرمت المستحقين من مالهم كأوقاف الحرمين.
والقسم الثاني : ما يختص بالديانة النصرانية ولا دخل للدولة فيه وإنما القسيسون لهم مدارس لتعليم ديانتهم وقد كان نوع من القسوس يعرف بالجوزويت أنشأ مدارس للتعليم حتى للعلوم الرياضية مع الديانة ولهم إتقان في كيفية التعليم والتربية وقد كانوا في حدود نيف وثمانين ومائتين وألف احتازوا بكثير من أولاد الأعراب وغيرهم المسلمين بناتا وأطفالا ونصروهم وذلك عند ما وقعت فجاعة شديدة بالقطر ، ولما بلغ مجلس النواب في فرنسا ذلك العمل شدد قسم منه النكير على الدولة في إطلاق القسوس على ذلك العمل لكنها لم تمنعهم وعند ما كبر البعض من أولئك الأولاد وعلموا بأن أهلهم مسلمون فروا إلى أهليهم ثم لما منعت الدولة الجوزويت من التعليم في فرنسا واستولت على مدارسهم ومكاتبهم في سنة ١٢٩٨ ه ١٨٨١ م عممت ذلك في الجزائر أيضا ونفتهم من كل ممالكها لكنها أوصت بهم نوابها في الممالك الإسلامية بأن يحموهم في جريتهم ، أي إذا أرادوا بناء مدارس والتعليم فيها فليس للدولة الإسلامية منعهم وإن منعوهم تعارضهم نواب فرنسا مع أن الدولة الفرنساوية الآن جمهورية وتطلق الحرية في كل شيء غير أنها سلبت حرية الجزويت في ممالكها ولم يتيسر لها حمايتهم في ممالك أوربا اللاتي أكثرها فعل بهم مثل ما فعلت هي ، فكيف يسوغ مضادة ذلك في الممالك الإسلامية مع اختلاف الديانة فيها؟ وأما في فرنسا فإن ديانتهم متحدة لأن الجوزويت نصارى من أتباع الكنيسة الكاتوليكية الخاضعة للبابا ، غير أنهم لهم مذهب في دقائق الديانة والتأويلات والفلسفة فيها جعل لهم نوع إنفراد عن بقية القسوس ، بيد أن الدولة الفرنساوية تستند في منعهم من التعليم بأنهم يمزجون في تعليمهم الأحوال السياسية على الأصول الإستبدادية بما لا يوافق سياستها وتخشى من فشوه في الناس مع المكاتب التي يتخذونها تصير كالمعسكرات تحدث منها الثورة ويأوي إليها الثائرون.