إناثا ، ويخترقها نهر التيمس الذي يحمل السفن الكبيرة وعليه جسور عديدة ضخمة جدا ، منها البناء ، ومنها الخشب ، ومنها الحديد الذي لا أعمدة له ، يقوم عليها في النهر وإنما طرفاه على العدوتين ووسطه معلق بقضبان وسلاسل ممتدة إلى طرفيه حيث يوجد أبنية ضخمة مرتفعة ، تمر في أعلاها تلك السلاسل والقضبان ثم تنزل إلى الأرض بحيث تكون على شكل مثلث زاويته الوسطى قائم فيها ، ذلك البناء وتلك السلاسل أربع في كل جهتين من طرفيه إثنان ، وبعض هاته الجسور تمر عليها طريق الحديد وبعضها عليه جسر آخر يمر عليه طريق الحديد وقد خرقوا تحت النهر نفقا يمر فيه الرتل أيضا ، وطول النفق ألف ومائتا قدم وكان إنشاؤه سنة ١٨٢٥ ثم طمى عليه الماء ثم جدد سنه ١٨٤٣ وكانت مصاريفه ٠٠٠ ، ٣٥٠ ، ١٥ فرنك ، بحيث ترى الطرق عند نهر التيمس في بعض جهاته على أربع طبقات ، فالرتل تحت الماء والسفن على الماء والعجلات والدواب والناس على الجسر والرتل أيضا على جسر فوقهم والطرق أكثرها في عرض عشرين ذراعا والقليل أزيد من ذلك أو أقل ، حتى أن منها الضيق الذي لا تمر فيه عجلة ، والطرق قليلة النظافة حتى أن منها ما فيه الوحل من الطين بمقدار لا تستطيع معه العجلات على سير الخبب ، وبعض الطرقات مبلط بقطع من الخشب في شكل الحجارة ذات الشبر التي يبلط بها وذلك لقلة الوسخ من الخشب مع قلة الدوي وفقدان قرقعة العجلات ، وذلك إنما هو في الطرق الكثيرة مرور العجلات.
وأما غيرها فعلى النحو المعتاد والبناءات غالبها من الآجر إلا قليلا من أبنية خاصة ضخمة متخذة من الحجارة ، وقليل أيضا من أساسات بعض الأبنية فهاته تنحت لها الحجارة على شكل مستوى جميل المنظر ، وكثير من الديار عند أبوابها أسطوانات من المرمر محمول عليها رواشن أو سرادق ، وعامة البناء ذو ثلاث طبقات والرابعة السفلى وكل دار تسكن عائلة فقط ولذلك كان منظر باريس أبهج إلا بعض حارات بنيت على نحو باريس فلم يستحسنها الأهالي وبقيت منفورا من سكناها ، وكل دار تجد على بابها روشن خارج عن حائط الدار! وفي البلاد عدة حدائق رحيبة جدا أعظم مما في باريس منها حديقة «هيت بارك» ولكل حارة تقريبا حديقة صغيرة خاصة بأهلها ، وأعظم مكان في لندره هو الجهة المعروفة بالسينين وهو طريق عظيم مشتمل على دار صرف الدولة وعلى دار حاكم البلد وهو مركز أشغال التجارة الكبرى ومحط إدارات أعيان التجار ، فترى فيه من الإزدحام ودوي العواجل والحوافل والمحافل والركاب والسلع ما يحير العقل والنظر واللب مع أن أبنيته وتحسيناته ليست مما يذكر ، وعادة أهالي لندره أن حارات الأشغال والحوانيت والمخازن لا يسكنها إلا الصنف السافل من الناس وحارات السكنى تكون خالية عن جميع ذلك حتى يتعب الساكنون في جلب ضرورياتهم لولا التيسير الكثير في أسباب الإنتقال من مكان إلى مكان على نحو ما مر في باريس ، وتزيد لندره بأن خط طريق الحديد يطوقها بدائرتين إحداهما أوسع من الأخرى ، وبالجملة فقد انفردت لندره عما رأيت وسمعت من