جميع أراضيها حسبما نص عليه في التاريخ ، ويشهد له قوله تعالى حكاية عن فرعون : (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي) [الزخرف : ٥١] فجمع الأنهار والإفتخار بها بل والتعاظم إلى حد دعوى الألوهية قاض بأنها كثيرة جدا وبالغة إلى حد خارج عن المعتاد في الكيفية كصعودها إلى الأعالي ، والواسطة في ذلك إما أن تكون بواسطة آلات تحمل الماء من أسفل إلى أعلى بكثرة حتى يجري في الأنهار ثم من هاته يحمل كذلك إلى ما فوقها إلى أن تجري ومن هذه أيضا إلى ما فوقها وهكذا إلى نهاية الإرتفاع ، والآلات إما أن يديرها الماء نفسه أو قوّة أخرى جهلت الآن فيما اندثر من علوم الأقدمين ، أو تكون الواسطة هي تفريع الترع من أعالي النيل قبل الوصول إلى الشلالات بأن يؤتى لأول شلالة قبل انحدار الماء منها فتفتح له فروع ذاهبة مع ارتفاع الأراضي بكيفية هندسية وبناء قناطر وحنايا لمرور الماء من الأعالي إلى الأعالي ثم من شلالة أخرى يفعل هكذا وتجري الأنهار في الإرتفاعات ، كما تجري في الإنخفاضات ، ويحصل منها النباتات الجبلية ومناظرها البهيجة.
وأما بحيرات مصر فهي عشرة أربعة كبيرة ، وأكبرها بحيرة المنزلة ومحيطها نحو من مائتين وخمسين ميلا وتسير بها السفن الصغيرة وبها السمك دائما وموقعها شرقي مدينة دمياط ويخترقها خليج السويس ، والبقية أغلبها أيضا مع الخليج وليس لها فائدة معتبرة سوى استخراج الملح من بعضها عند جفاف حافاته صيفا وبعضها يجف تماما ، أما ممالك السودان ففيها بحيرات مهمة مثل بحيرات منبع النيل وغيرها ولكنها قليلة الجدوى بالنسبة للمنافع مثل بقية ذخائر السودان.
وأما هواء مصر وما يتبعها فهو على العموم حار ، وغاية الفرق أن الجهات الشمالية على شاطىء البحر الأبيض يلطف حرها صيفا سيما عند ازدياد النيل ، وأما الجنوب وسائر السودان فهو حار جدا ، حتى إني كنت في مدينة مصر في شهر ننبر بعد فيضان النيل ولم أكن أستطيع النوم بالغطاء باللحاف الكتان ولكني لا أستطيع أيضا فتح الطيقان لكثرة الندى المضر ، ورأيت مثل ذلك في إسكندرية أيضا التي هي مهرب السكان من الحر ، مع أني كنت بها في ذلك الشهر أيضا.
أما السويس والصعيد فلا تسأل عن شدة حرها ، نعم هي بعد الانقلاب الشتوي يحصل بها البرد إلى درجة طلب التدثر والتدفي ، فيكون الهواء عموما معتدلا مع ابتهاج الأرض بالنبات.
وأما نباتاتها مع سودانها وجباله فيصح أن يقال أن فيها كل ما يوجد من نبات الدنيا إلا ما ندر ، حتى الأشجار التي تكون في الأراضي الباردة فإنها توجد في الجبال الشاهقة في دواخل السودان ذات الثلج الدائم ، وفي السودان غابات عظيمة صالحة أخشابها لبناء ، السفن والديار وللأعمال الجيدة أيضا مثل الأبنوس وغيره ، لكن أرض مصر الأصلية ليس