محرر ولا موثوق به ، وقد أطنب العلماء الإسلاميون وغيرهم في تواريخ مصر وعلومها وتمدنها ، فغاية ما نستطيع هنا إنما هو الإلمام بإشارات إلى أنموذج ذلك معرضين عما لبعضهم من المبالغات والخرافات ، ويدّعي بعض المتأخرين أن المحقق عندهم في علم مبدأ التاريخ فيها المحقق هو قبل الميلاد بألفي ومائتي سنة ، والحق أنه غير محرر لأن استنادهم في ذلك إنما هو للتوراة التي بين أيديهم وهي كما علمت سابقا غير صحيحة سيما في محل التاريخ ، وقد أقر بعض متدينيهم بالغلط الفاحش في ذلك المحل سيما فيما يرجع إلى التاريخ العام وأنه مخالف للموجود من الكتابات المنقوشة على الأحجار العتيقة جدا وغيرها من القرائن الواضحة ، وتعلل في تصحيح التوراة بأن موسى عليهالسلام لم يقصد تاريخا عموميا للخليقة وإنما قصد ذكر عمود نسبه ، ولا يخفى أن هذا غير معقول إذ كيف يذكر عمود نسبه في تواريخ مخالفة لنفس الأمر لأنه يلزم أن يكون قائلا بأن فلانا مثلا بعد الطوفان بكذا ثم فلان بعده بكذا أو في زمن الملك الفلاني المتسلطن في تاريخ كذا مع أن ذلك الوقت ليس مطابقا لذلك التاريخ فما هو إلا عين الكذب أو الغلط المنزه عنه كلام الباري تعالى والمعصوم منه الرسول ، فلا محيص عن القول بالتحريف في التوراة التي بين أيديهم ، وإذا أضفت إلى ذلك الميزان المعقول في حساب العمران وكمية التناسل من البشر بعد الطوفان ولو على القول بعدم عمومه في سائر الكورة ، ونظرت إلى المدة التي ذكر أن إبراهيم عليهالسلام أرسل فيها وما كان عامرا من الجهات التي لا نزاع أن الطوفان عمها ، وهي محل إقامة إبراهيم عليهالسلام وقومه ، ومن كان معاصرا له من الأمم الذين طغوا في البلاد وتجبروا بما لهم من القوة والعدد والعدد والعلوم لا شك أنه يستحيل عندك أنهم كلهم نشأوا في مدة مائتي سنة من نسل أربعة من ألاود نوح عليهالسلام ، وأيضا يستحيل أن تنسى وتندثر معجزة الطوفان الهائلة من عقول أمة في قرنين ، إذ يمكن أن يكون بعض من أدرك من أدركها لم يزل بقيد الحياة فكيف مع ذلك ينسى توحيد الله ويعبد إله غيره ، ولا يتأتى ذلك إلا بطول الزمان ونسيان المعجزات وانقراض العلماء ومن عاصرهم في مدة مديدة ، ولذلك لا نعتمد حينئذ على تعيين أوقات ما نتعرض له من الدول القديمة.
وإنما نقول : أن مصر قبل بعثة موسى عليهالسلام كانت قامت فيها دول عظيمة ذات شان وقوة وعمران ، وملوكها يسمون بالفراعنة جمع فرعون وهي عبارة مصرية معناها نور الشمس ، وأول من يعرف الآن من فراعنتها هو منتر أو مصرايم ، الذي حول مجرى النيل وبنى مدينة منقيس ، ثم زادها خلفاؤه بهجة وإتقانا حتى كانت أعظم مدن الدنيا ، واتخذتها الفراعنة تختا لهم ولو بعد انقراض عائلة فرعون المذكور ، وفي مدة أحفاد المشار إليه نشأت دول أخرى صغيرة في أراضي مصر وانقسمت على ثلاثة أقسام بقي أحدها تحت العائلة المذكورة ، والأخريان تحت عائلتين أخريين ، إلى أن تغلبت على الجميع العائلة الرابعة من الفراعنة ومنها فرعون الباني للهرم الكبير الذي بالجيزة ومر ذكره ، ثم انقسمت إلى عدة أقسام كان منها العائلة الخامسة ، وتولى منها عدة ملوك أحدهم باني الهرم الثاني بالجيزة