السؤال صار صناعة لتلك الفرقة ولهم رؤساء وعليهم أداء مقدر ، ولهم وقائع عجيبة في الغنى وكتمانه فقد ذكر لي ثقة أنه في حدود عشرة السبعين من القرن الثالث عشر ، كان أحد الشحاتين مارا في الطريق فسقط منه كيس وكان بمرأى من أحد الضابطة فأيقظه لذلك فلما علم به أنه ضابطي أنكر أن يكون الكيس له ، فألح عليه الضابطي وآل الأمر إلى المشاحنة حتى بلغ إلى رئيس الضابطية فأمر الشحات بأخذ كيسه الذي وجد به عدد كثير من الليرات الذهب ، فامتنع وأنكر أن يكون له حتى جلده رئيس الضابطية جلدا وجيعا وهو مصر على إنكاره فأطلق سبيله وحمله شيخ الشحاتين وداواه من ضربه وشكر صنعه كل بني جنسه وأدوا له جميع ما خسره في الكيس وزيادة ، لأنه لم يظهر عليهم أثر الغنى لكي لا يحصل عليهم ضرر ولكي لا تقسى عليهم القلوب ، ولهم وقائع كثيرة من هذا القبيل مع أياد وصنوف في الإلحاح والتضرع تفتت القلوب ولم أر في البلاد مثلهم قط ، ويغلب على الجميع الوسخ في الثياب وفي البيوت والديار إلا بعض الأعيان ومن نحا النحو الإفرنجي وأكثر ذلك في الفلاحين وأصحاب القرى ، بل أن هؤلاء لا يستحيون من كشف العورة نساء ورجالا.
وأما أهل النوبة وبقية السودان والعرب فقد تقدم في التاريخ أصلهم ، وأما عاداتهم فالسودان وإن كانوا قريبي الطبع من الهمج لكنهم أحذق أنواع السودان وأقربهم للتمدن سيما من خالطوا العرب فكانوا مثلهم ، وأما العرب فهم على نحو الصفات التي ذكناها في عرب تونس ومن عادات الجميع أن مبدأ توقيت الساعات عند الغروب فيجعلون إذ ذاك عقارب الساعات في الساعة الثانية عشرة وهي مبدأ الحساب عندهم وما يقابلها من الإثني عشر ليس لها وقت معين ، بل هي على حسب ما يصادف وهذا أول رؤيتي لذلك وعليه عمل جميع الجهات الشرقية.
أما جميع الأقطار التي مر ذكرها كلها فإنها تعدل على الزوال أي الزوال هو الساعة الثانية عشرة وتنتهي إلى نصف الليل ، فتبتدىء الساعات الإثنتا عشرة التي هي تمام الأربعة والعشرين ساعة المقسم عليها الليل والنهار ، ولا شك أن اعتبار الزوال أصح في التأقيت لأنه لا يختلف عن زمنه سواء طال النهار أو قصر بخلاف الغروب ، وذلك لأن الزوال عبارة عن توسط الشمس في قوس النهار ، وخط نصف النهار يقسم جميع أقواس النهار بالسواء ، أعني أقواس طوله وقصره فلا يختلف الزوال عن وقته بخلاف الشروق والغروب لأن الشمس تنتقل عن محلاتها كل يوم وبذلك يكبر قوس النهار أو يصغر فتجد الغروب دائما أما متقدما عن زمنه بالأمس أو متأخرا عنه حسب سير الشمس في طول النهار وقصره بحيث أنك إذا حررت الحساب تجد من زوال يومك إلى زوال غده أربعة وعشرين ساعة تامة وإذا حررته من الغروب إلى الغروب القادم تجدها أربعة وعشرين ساعة إلا دقائق في أوقات زيادة النهار في القصر أو أربعة وعشرين ساعة ودقائق زائدة في وقت زيادة طوله ، لكن كان عدول المشرقيين عن التأقيت الذي لا يختلف هو محاذاة الشرع في اعتبار مبدأ اليوم من الغروب وإن لم يكن بينهما تلازم.